أبو بكر وعمر على العين والرأس يتركان؛ لئلا يظن الوجوب؛ لأننا أمرنا بالاقتداء بهما، ولذلك كثير ما يستدل أهل العلم على الوجوب بفعل الخلفاء الراشدين، وأكثر من يستدل بهذا الإمام مالك -رحمه الله- يعني يذكر الخبر المرفوع، ثم يذكر فعل أبي بكر وعمر لماذا؟ ليبين أن الحكم محكم غير منسوخ، ولو كان منسوخاً لما فعله أبو بكر وعمر، فيستدل بفعلهما، وقد أمرنا بالاقتداء بهما، والله المستعان.
قال ابن حجر في فتح الباري: قال ابن حزم: لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة، وصحَّ أنها غير واجبة عن الجمهور، ولا خلاف في كونها من شرائع الدين.
استدل المجد ابن تيمية صاحب المنتقى جد شيخ الإسلام -رحم الله الجميع- على عدم الوجوب بتضحية الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن أمته، وذكر حديث جابر -رضي الله عنه- قال:"صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيد الأضحى، فلما انصرف أتي بكبش فذبحه" فقال: ((باسم الله، الله أكبر، اللهم هذا عني، وعن من لم يضحِّ من أمتي)) رواه أحمد أبو داود والترمذي.
وحديث علي ابن الحسين عن أبي رافع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين، فإذا صلى وخطب الناس أتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول:((اللهم هذا عن أمتي جميعاً، من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ))، ثم يؤتى بالآخر فيذبحه عن نفسه، ويقول:((هذا عن محمد وآل محمد)) فيطعمهما جميعاً المساكين، ويأكل هو وأهله منهما، فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي؛ قد كفاه الله المئونة برسول الله صلى الله عليه وسلم". رواه أحمد.
يقول الشوكاني في شرحه: وجه "دلالة الحديثين على الوجوب أن تضحيته -صلى الله عليه وسلم- عن أمته وعن أهله تجزئ كل من لم يضحِّ، سواءً كان متمكناً من الأضحية أو غير متمكن، ثم تعقبه بقوله: ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن حديث: ((على كل أهل بيت أضحية)) يدل على وجوبها على كل أهل بيت يجدونها، فيكون قرينة على أن تضحية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن غير الواجدين من أمته".