ومنهم من يقول: إن المراد بالعهن الصوف المصبوغ الذي له ألوان، والجبال لها ألوان، لها ألوان وإلا بدون ألوان؟ {جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [(٢٧) سورة فاطر] ألوان، فهي مناسبة لتمثيلها بالصوف، بالعهن المنفوش الذي ندف، معلومٌ أن الصوف إذا رص بعضه على بعض يكون له وزن، وكانت الفرش إلى وقتٍ قريب إنما حشوها الصوف، والوسائد حشوها صوف، فإذا كانت ملبدة، هذه الوسائد ملبدة بالصوف له وزن، لكن إذا استخرجت هذا الصوف وندفته ونفشته، وفرقت بعض أجزائه عن بعض، صار لا وزن له، يطير في الهواء كالهباء، وبهذا يتصور عظمة الخالق -جل وعلا-، هذه الجبال التي أرسى بها دعائم الأرض تكون مثل الصوف مثل الهباء الذي يتفرق يميناً وشمالاً، كالعهن المنفوش.
ثم بعد ذلك بين الله -جل وعلا- حال الفريقين، حال السعداء، وحال الأشقياء، وهما فريقان فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير، يقول الله -جل وعلا-: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [(٦ - ٩) سورة القارعة]، {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [(٦) سورة القارعة] يعني كثرت أعماله الصالحة، فرجحت كفتها بكفة الأعمال السيئة، يعني زادت حسناته على سيئاته، وقد خاب من رجحت آحاده على عشراته، يقول أهل العلم: خاب وخسر من رجحت آحاده على عشراته، يعني الحسنة بعشر أمثالها والسيئة واحدة، ومع ذلك ترجح السيئات على الحسنات؟! هذا دليل الخيبة والحرمان والخسران، خاب وخسر من رجحت آحاده وزادت على عشراته، ففضل الله -جل وعلا- وكرمه وجوده يجعل الحسنة بعشر أمثالها، هذا أقل تقدير، وإلا فالله -جل وعلا- يضاعف إلى سبعمائة ضعف، وفتح لنا أبواب وآفاق توصلنا إلى جناته ومرضاته، وضاعف لنا الأجور على أعمالٍ يسيرة.