فقوله في الحديث:((من حسن إسلام المرء)) هذه (من) تبعيضية؛ لأن ترك ما لا يعني ليس هو كل حسن إسلام المرء، فـ (من) هذه تبعيضية، بل بعض إسلام المرء تركه ما لا يعنيه؛ لأن الإسلام مشتمل على واجبات، ومشتمل على ترك محرمات، ومنها ترك ما لا يعنيه، فـ (من) هذه تبعيضية، يقول الطوفي في شرحه على الأربعين: إنما جميع حسن إسلام المرء ترك ما لا يعني، وفعل ما يعني -يعني إذا انضم إلى ترك ما لا يعني فعل ما يعني، ترك ما لا يعني إذا انضم إليه فعل ما يعني صار جميع حسن الإسلام، لماذا لا يكون هو الإسلام كله؟ يقول: فإذا فعل ما يعنيه وترك ما لا يعنيه فقد كمل حسن إسلامه، لماذا لا يكمل إسلامه؟ يكمل حسن الإسلام ولا يكمل الإسلام على قوله.
الآن حسن الإسلام أليس هو قدراً زائداً على أصل الإسلام؟ فإذا كمل القدر الزائد على الأصل المطلوب ألا يكمل الأصل من دون كماله؟ من باب أولى، هذا ما قرره الطوفي يقول: إنما جميع حسن الإسلام ترك ما لا يعني وفعل ما يعني، فإذا فعل ما يعنيه وترك ما لا يعنيه، فقد كمل حسن إسلامه. . . . . . . . .
وفي الحديث:((من حسن إسلامه)) ولم يقل إيمانه؛ لأن الترك لما لا يعنيه متعلق بالأمور الظاهرة والإسلام كذلك، الترك لما لا يعنيه متعلق بالأمور الظاهرة والإسلام كذلك، وأما الإيمان فتعلقه بالأعمال الباطنة.
إذا كان في خاطره خواطر وهواجس تدور في نفسه وتسترسل معه وهي لا تعنيه من قريب أو بعيد، تجد الواحد من الناس الذي لا يعنيه أمر العامة في نفسه يزور أعمال ورجال يقومون بهذه الأعمال، وهو في نفسه، وهو ليس بيده حل ولا قيد، ليس بيده شيء، هذا العمل الذي يزوره في نفسه لا يعنيه؛ فهل نقول: أن مثل هذا لا يدخل في الحديث؟ يعني الخواطر إذا استرسلت فيما لا يعني الإنسان، تجد الإنسان يسترسل في أمور كثيرة، يجر بعضها بعضاً وتعوقه عن كثير من أذكاره وأوراده والتفكر، وفيما هو أهم من ذلك، هل نقول: أن ترك هذه الأمور لا تعنيه؟ تعنيه، فالحديث يشمل الجوارح وما يعمل بالجوارح من الأعمال الظاهرة، ويشمل أيضاً الخواطر والهواجس على ما سيأتي.