وذكر العلماء -وهذا لا بد من التنبيه عليه- أن منهم من يختم بالنهار وبالليل ختمة، ومنهم من يختم ختمتين بالليل، وذكر الحافظ ابن كثير والنووي عن ابن الكاتب الصوفي أنه كان يختم أربعاً بالليل وأربعاً بالنهار، وهذا ليس بالمقدور، والوقت لا يستوعب، وذكر القسطلاني عن شخصٍ أنه كان يقرأ القرآن في أسبوع، قلنا أسبوع ممكن، ثم قال: وقيل في شوط، وعرفنا أن الأسبوع الطواف بالبيت سبعاً، وهذا لا يمكن، ولا شك أن هذا من تلبيس الشيطان على بعض الناس، يريه أنه قرأ وهو في الحقيقة لم يقرأ، والقراءة التي تترتب عليها آثارها لا شك أنها إذا كانت على الوجه المأمور به، بالتلاوة والتدبر، وبنية الانتفاع من القرآن.
شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول:"وقراءة القرآن على الوجه المأمور به تورث القلب من العلم والعمل والإيمان والطمأنينة والراحة ما لا يدركه إلا من جرَّب". ابن القيم -رحمه الله تعالى- يقول:
فتدبر القرآن إن رمتَ الهدى فالعلم تحت تدبر القرآنِ
وأما قراءة الهذّ من غير ترتيل ولا تدبر لا شك أن أثرها في النفس ضعيفة، لكنها إذا أخرجت الحروف من مخارجها، ونطق بها الإنسان نطقاً كاملاً لا شك أن أثرها في تحصيل الحسنات المرتبة على مجرد القراءة يثبت -إن شاء الله تعالى-، بكل حرف عشر حسنات.
وجاء عن الدارمي وأحمد بإسناد جيد:((أن قارئ القرآن يقال له: اقرأ، وارتق في درج الجنة كما كنت تقرأ في الدنيا هذّاً كان أو ترتيلاً)) لكن العلم والإيمان الذي تورثه القراءة لا تكون مع هذا الهذّ، والمسألة على التعود، إذا تعود الإنسان أن يقرأ بهذّ لا يستطيع أن يتريث، بل يكون نظره إلى آخر السورة.
وعلى كل حال علينا أن نعنى بكتاب الله -جل وعلا-، ففيه العلوم كلها، وفيه الخير كله، ومن قام يقرأه كأنما يخاطب الرحمن مباشرة؛ لأنه كلامه.
هو الكتاب الذي من قام يقرأه كأنما خاطب الرحمن بالكلم
بعض الناس إذا انتهى من دوامه وارتاح بعد العصر، بعد المغرب للجرائد والمجلات، وبعد العشاء للمساهير، وليس لكتاب الله -جل وعلا- منه نصيب.