وسن التحصيل هو بداية الشباب، ويبدأ من التمييز، يُبدأ بطلب العلم بالنسبة للطفل من التمييز، وحينئذٍ على المعلم أن يعلم مثل هذا صغار العلم قبل كباره، ولا يكلف الطالب فوق ما يطيق، فكثيراً من الطلاب يطلب من الشيخ يقرأ عليه كتاب، فإذا كان هذا الشيخ ناصحاً -وهذا هو الأصل في أهل العلم- اختبره، ثم قرر له ما يناسبه من الكتب، وبهذا يستفيد الطالب، ومن المعلمين من ينظر إلى حاجته هو، يأتي طالب مبتدئ ويقول للشيخ: أريد أن أقرأ عليك، الشيخ بحاجة إلى كتاب، هو بنفسه بحاجة إلى كتاب يريد أن يطلع عليه فيقول: أحضر كذا، من غير نظرٍ إلى مصلحة الطالب، وهذا ليس من النصيحة، بل النصيحة أن يبدأ الطالب بما يحتاجه هو، وفيما يستطيعه، فالطالب المبتدئ له كتب تناسب مستواه، والطالب المتوسط له كتب تناسب مستواه، والطالب المنتهي أيضاً له كتب تناسبه، والمتعلم له كتب، والعالم له كتب، وأهل العلم ما قصروا بينوا ونظموا الكتب ورتبوها على حسب المستويات المذكورة، وسموها طبقات، فللطبقة الأولى المختصرات، الطبقة الأولى لهم المختصرات شديدة الاختصار، وفي كل علم من العلوم ما يناسب هذه الطبقة، والمتوسطون لهم كتب أرفع من هذه، وفي هذه الكتب المصنفة للمتوسطين ما يوجد في كتب المبتدئين، الطبقة الثالثة لهم كتب تناسبهم وهي أرفع من كتب المتوسطين، وفي كتب هذه الطبقة من العلوم، وإن كانت الصياغة تختلف لتناسب إدراك هؤلاء، فيها من العلم ما في كتب المتوسطين والمبتدئين، وقل مثل هذا في كتب الطبقة الرابعة، وكثير من المتعلمين -ونحن في عصر السرعة- يقول: لماذا يكرر العلم؟ لماذا نقرأ كتاب مختصر جداً، ثم نقرأ كتاب أوسع منه فيه جميع الكتاب المختصر، ثم نقرأ كتاب أوسع فيه جميع ما في الكتاب المتوسط وهكذا؟ على سبيل المثال: الموفق بن قدامة ألف كتب تناسب طبقات المتعلمين، العمدة على قولٍ واحد، المقنع على روايتين، الكافي فيه الروايات، المغني فيه المذاهب، لكن هل في العمدة ما لا يوجد في المقنع؟ وهل في المقنع ما لا يوجد في الكافي؟ وهل في الكافي ما لا يوجد في المغني؟ بعض الناس يقول: هذا ضياع وقت، نقول: هذا ليس بعبث، العلم الذي حفظته في الصغر وتكرر عليك