الشوكاني -رحمه الله- له كتاب اسمه: أدب الطلب، فيه توجيهات لطالب العلم، يقول فيه:"ينبغي لمن كان صادق الرغبة، قوي الفهم، ثاقب النظر، عزيز النفس، شهم الطبع، عالي الهمة، سامي الغريزة، أن لا يرضى لنفسه بالدون، ولا يقنع بما دون الغاية، ولا يكل عن الجد والإجتهاد المبلغين به إلى أعلى ما يراد، وأرفع ما يستفاد، فإن النفوس الأبية، والهمم العلية لا ترضى بما دون الغاية في المطالب الدنيوية، تجد من الناس يغامر بحيث لو أخفق في هذا المشروع الذي غامر فيه صار مديناً إلى أن يموت، ومع ذلك يغامر رجاء إيش؟ المكاسب الطائلة يقول: "والهمم العلية لا ترضى بما دون الغاية في المطالب الدنيوية من جاهٍ أو مالٍ أو رئاسة أو صناعة أو حرفة أو غير ذلك" يعني إذا كان هذا في أمور الدنيا فكيف بأمور الآخرة التي الدنيا بحذافيرها لا تزن عند الله جناح بعوضة؟ يعني إذا نسبنا الدنيا كلها بجميع ما حصل فيها من نعيم من أول مخلوق إلى قيام الساعة ماذا تزن عند الله -جل وعلا-؟ جناح بعوضة، لا تزن عند الله جناح بعوضة، من يعرف قدر هذه الدنيا؟ يعرفها مثل سعيد بن المسيب، عنده بنت علمها وأدبها فصارت محدثة فقيهة، هذه يربيها سعيد لمن؟ للخليفة أو لابن الخليفة؟ خطبها ابن الخليفة فجاءه السفير بينهما –الواسطة- فقال: يا سعيد جاءتك الدنيا بحذافيرها، قال: كيف؟ قال: فلان يريد البنت، قال: يا فلان إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فماذا يقص لي من هذا الجناح؟ صحيح, ويزوجها طالب فقير، لا يملك شيء، هذه هي الهمم، همم تسمو إلى مرضاة الله -جل وعلا-، وإلى تحقيق هذه الغاية، فأين طالب العلم من تحقيق هذه الغاية؟ يقول:
إذا غامرت في شرف مرومٍ ... فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير ... كطعم الموت في أمر عظيم
الموت هو هو ما يتغير، خلاص طعمه واحد، فطعمه في تحصيل درهم أو طعمه في تحصيل معصية، نسال الله السلامة والعافية مثل طعمه في تحصيل الشهادة، بل الموت بالنسبة للشهيد قد لا يشعر به، يقول القائل:
بقدر الكد تكتسب المعالي ... ومن طلب العلا سهر الليالي
ومن رام العلا من غير كدٍ ... أضاع العمر في طلب المحالِ