من الأدلة على فضل العلم والعلماء قوله -جل وعلا-: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(٩) سورة الزمر] فنفى التسوية بينهم وبين غيرهم، قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، هل هذا مجرد استفهام مطلوب جوابه؟ لا، هذا نفي للتسوية بين أهل العلم وبين غيرهم؛ لكن هذا النفي مقرون بأمر عظيم تقدمه فعلى طالب العلم أن يستحضر السبب الذي نفيت فيه هذه التسوية، وهو في صدر الآية، في صدر الآية يقول الله -جل وعلا-: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(٩) سورة الزمر] يعني هل يمكن فصل عجز الآية عن صدرها لا يعني سبب عدم أو نفي هذه التسوية ما اتصف به أهل العلم، مما أشير إليه في صدر هذه الآية، أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه خائفاً راجياً وجلاً، هذا هو المفضل على غيره، والله المستعان، وهذا يجرنا إلى أمر جاء في كتاب الله -جل وعلا- على سبيل الحصر للعلماء {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(٢٨) سورة فاطر] فالذي علمه لا يزيده من خشية الله -جل وعلا- فهذا في الحقيقة ليس بالعلم؛ لأنه على سبيل الحصر هل يستطيع أن يقول قائل: أن هذا حصر إضافي ليس بحصر حقيقي، والله -جل وعلا- يقول:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(٢٨) سورة فاطر] والنبي -عليه الصلاة والسلام- أخشى الناس وأتقاهم، فهل يوجد عالم لا يخشى الله -جل وعلا- بعد هذا الأسلوب الذي يقتضي الحصر فيهم، من شرف العلماء وفضلهم أن الله -جل وعلا- جعل أهل الجهل بمنزلة العميان، جعل الله -جل وعلا- أهل الجهل بمنزلة العميان الذين لا يبصرون، فقال تعالى:{أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [(١٩) سورة الرعد] فقابل الذي يعلم بالأعمى، العلم نقيض العمى وإلا نقيض الجهل؟ نقيض الجهل، فلما جعل العمى في مقابلة العلم صار الجهل عمى، إذا كان الذي يقابل العلم هو الجهل، وجُعل العمى