للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما المراد بالعلم الذي ذكرنا فضله في النصوص؟ المراد به ما عظم شأنه في النصوص الشرعية إنما هو العلم الشرعي، المورث لخشية الله -جل وعلا- كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(٢٨) سورة فاطر] "أي إنما يخاف من الله -جل وعلا- من علم قدرته وسلطانه، وهم العلماء" قاله ابن عباس، يقول ابن القيم في مدارج السالكين: "الخشية أخص من الخوف، فإن الخشية للعلماء بالله، كما في الآية، فهي خوف مقرون بمعرفة" قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية)) ولا شك أن من كان بالله أعرف كان منه أخوف، وله أتقى، قد يقول قائل: هل الأولى أن يتجه الناس كلهم لتحصيل العلم الشرعي ويترك ما سواه من العلوم التي تنفع في أمور الدنيا؟ العلوم الدنيوية الأخرى النافعة مما يحتاجه المسلمون كالطب والهندسة والزراعة والصناعة وغيرها هذه كغيرها من الحرف حرفة من الحرف إذا طلبت بغير نية هي حرفة مما يكتسب به المال، إنما يؤجر الإنسان في طلبها بقدر نيته في تحصيلها، فإن نوى بها الاستغناء عن الخلق، وكفاية نفسه، وكفاية من يمون، هذا له أجر بهذه النية، وإذا نوى بها رفعة الأمة، وقوتها على أعدائها، وعدم احتياجها إلى غيرها من أعدائها أجر على ذلك أعظم، وهكذا هذه العلوم إن أورثت خشية الله -جل وعلا- وهذا موجود عند بعضهم لا سيما من وفق للتفكر والتأمل صار أجره أعظم يوجد في محيط الأطباء من قاده هذا العلم الدقيق إلى منزلة من الإيمان، قد لا يصل إليها كثير ممن تصدى لطلب العلم الشرعي؛ لكن طالب العلم الشرعي إذا امتثل بقوله -جل وتعالى-: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [(٢١) سورة الذاريات] حصل له من هذا ما هو أعظم لمعرفته للنصوص الشرعية؛ لكن هذه العلوم من طلبها للدنيا فقط أعني علوم الدنيا مما أشرنا إليه من طب وهندسة وزراعة وصناعة وغيرها من العلوم، من طلبها للدنيا فقط هذا لا يأثم، بخلاف العلوم الشرعية التي يبتغى بها وجه الله -عز وجل-، العلم الشرعي من أمور الآخرة المحضة التي لا يجوز التشريك فيها في طلبها، فضلاً عن أن تطلب بغير نية، أو رياء، أو سمعة، أو ليقال، وقد جاء التحذير من ذلك أشد