في بعض كتب التربية الحديثة التزهيد بالحفظ، وأنه يبلد الذهن، وأن المعول أولاً وأخراً على الفهم، وهذا الكلام إذا صح بالنسبة لعلوم غير المسلمين من العلوم التجريبية التي تنبني على الأعمال اليدوية، هذه تحتاج إلى فهم، تحتاج إلى دقة، لكن ما تحتاج إلى حفظ، لكن علومنا الشرعية المبنية على النصوص لا بد فيها من الحفظ، والتزهيد بالحفظ تزهيد بالعلم، تزهيد بالعلم لا شك أن الفهم أمر في غاية الأهمية لمن يريد العلم، لكن الحفظ إن لم يكن أهم من الفهم فلن يكون دونه بحال لا سيما ما يتعلق بالكتاب والسنة، يعني نجد الخلل في علم من اعتمد على الحفظ على الفهم وأهمل الحفظ، الحفظ هو الذي يسعف المعلم، هو الذي يسعف المعلم لإلقاء ما يريده من نصوص الكتاب والسنة، يعني إذا جازت رواية الحديث بالمعنى فإنه لا بد أن يكون لديه معرفة بأصل الحديث، وأن يعرف ما يخل بمعناه، وهذا أيضاً يحتاج إلى حفظ وإن لم يحفظ الحديث بحروفه، ولكن نصوص القرآن وآيات القرآن لا تجوز فيها الرواية بالمعنى، ولا تدرك بالاجتهاد، بل لا بد من حفظها بحروفها.
من الغرائب أن يجتمع اثنان على كتاب واحد، يعني على تأليف كتاب واحد، أحدهما: آية في الحفظ، آية من آيات الله في الحفظ، والثاني: آية في الفهم، تفسير الجلالين ألفه جلال الدين المحلي هذا قال أهل العلم في ترجمته: إن ذهنه يثقب الفولاذ من قوة فهمه، ويقول عن نفسه: إنه حاول حفظ ورقة من كتاب مدة طويلة ثم ظهرت فيه بثور، وارتفعت حرارته إلى أن تركها، كله من ضعف الحافظة، لكن ذهنه وفهمه قالوا: يثقب الفولاذ، وبالمقابل النصف الثاني من تفسير الجلالين، يعني القسم الذي ألف آخراً، وإن كان هو النصف الأول، يعني من الكهف إلى آخر القرآن مع الفاتحة هذا لجلال الدين المحلي، أتمه من أول البقرة إلى آخر الإسراء جلال الدين السيوطي الذي يحفظ مائتي ألف حديث، يحفظها كما يحفظ الفاتحة، ويقول: لو وجدت من الأحاديث أكثر من ذلك لحفظت، فاجتمع هذا وهذا وألفا الكتاب بنفس واحد.