كتب العقائد التي ذكرناها على هذا الترتيب وهذا التسلسل إذا انتهيت منها أنت مؤهل لأن تقرأ أي كتاب في العقائد، نعم إذا يكن لديك معرفة بعلم الكلام، يبقى عندك إشكالات في مثل منهاج السنة، وفي مثل درء تعارض العقل والنقل، وفي مثل نقض التأسيس، نقول: يا طالب العلم، لا تكلف نفسك بفهم كل شيء يقوله شيخ الإسلام في هذه الكتب الثلاثة؛ لأنها تعوقك عما هو أهم منها، يعني في شرح السنة عندك في المجلد الأول أو الثاني ما يقرب من ثلاثمائة صفحة أشبه ما تكون بالطلاسم، إلا شخص عنده دربه بعلم الكلام، وله معاناة في هذا الفن، وقل مثل هذا درء تعارض العقل والنقل مملوء من هذه المباحث، فما تفهمه أعد النظر فيه وكرره، والذي لا تفهمه إمرار، ولا يلزم أن تقف عليه؛ لأن من الكبار من يمر هذه المباحث، بل إذا علم عليها علامة الصعوبة، بالقلم المعين لهذه المباحث، وليكن بيده قلم خامس، بلون خامس، يضع عليه علامة أن هذا لا يرجع إليه.
وعلم الكلام كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "المنطق علم غث، كلحم جمل، على رأس جبل، لا يحتاجه الذكي، ولا يفيد منه الغبي"، نعم يحتاجه من يريد أن يرد على الفلاسفة وعلماء الكلام، يفيد منه، لكن كم تحتاج الأمة إلى مثل هؤلاء علشان نقول لطلاب العلم: كلكم اقرءوا في هذا، ويصير هذا على حساب المقاصد التي هي علوم الكتاب والسنة.
السواد الأعظم من طلاب العلم لا يحتاجونه، وكتب شيخ الإسلام وكتب ابن القيم لايستغني عنها طالب علم، كتب منها ما لا يمكن تصنيفه تحت عنوان، أو تحت فن من الفنون، فإذا تدرج طالب العلم في الفنون قد يغفل عن هذه المهمات، وهو بحاجة إلى هذه الكتب التي تعالج أدواء القلوب، فإذا مشى على الترتيب المعروف لتحصيل العلم الذي يتعلق بعلم الجوارح متى يرجع إلى هذه الكتب التي تعالج أمراض القلوب؟ متى يقرأ الجواب الكافي -مثلاً- لابن القيم؟ متى يقرأ في حادي الأرواح؟ متى يقرأ في مدارج السالكين؟ متى يقرأ في إغاثة اللهفان؟ متى يقرأ -وهو بأمس الحاجة- إلى إعلام الموقعين، أو زاد المعاد؟.