أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول:"لولا آيتان في كتاب الله ما حدثت، ويقول الناس: أكثر أبو هريرة والله الموعد، ولولا آيتان من كتاب الله ما حدثت:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ} إلى آخره.
فالكتمان مغبته وخيمة، كما أن الجرأة من غير تأهل أيضاً شأنها عظيم وخطير، في حديث أبي هريرة المخرج في المسند والسنن ومستدرك الحاكم:((من سئل عن علم فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار)).
يقول المناوي: أي أدخل في فيه، أي أدخل في فيه لجام من نار مكافئة له على فعله، حيث ألجم نفسه بالسكوت في محل الكلام، فالحديث خرج على مشاكلة العقوبة للذنب، يعني الجزاء من جنس العمل، وذلك لأنه -سبحانه وتعالى- أخذ الميثاق على الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه، وفيه حث على تعليم العلم؛ لأن تعلم العلم إنما هو لنشره والعمل به، ودعوة الحق إليه، والكاتم يزاول إبطال هذه الحكمة وهو بعيد عن الحكيم المتقن، ولهذا كان جزاءه أن يلجم تشبيهاً له بالحيوان الذي سخر ومنع من قصد ما يريده"؛ لأنه أشبه الحيوان، الحيوان أعجم لا يتكلم، وهذا شبيه له حينما سكت في موضع الكلام، أو في وقت يتعين عليه فيه الكلام أشبه العجماوات، والحيوان يحتاج إلى لجام، وكذلك من كتم هذا العلم يحتاج إلى أن يلجم بلجام من نار.
يقول الشيخ حافظ الحكمي في ميميته الفريدة الشهيرة:
والكتم للعلم فاحذره إن كاتمه ... في لعنة الله والأقوام كلهم
ومن عقوبته أن في المعاد له ... من الجحيم لجاماً ليس كاللُجم
وصائن العلم عمن ليس يحمله ... ماذا بكتمان بل صون فلا تلم
وإنما الكتم منع العلم طالبه ... من مستحق له فافهم ولا تهم