وقد أخطأ العائب لهم في مقاله، وتكسع في حيرته وضلالته، لأن عُروة لم يذهب إلى ثلب الأدباء، ولا إلى تعنيف الظرفاء، وإنما عنف على طول الإهمال، وحثّ على تكسُّب الأموال، وهذا مثل قول الآخر:
لعمرك! إن المال قد يجعل الفتى ... نسيباً، وإن الفقر بالحُرّ قد يُزري
وما رفع النفس الدنيّة كالغنى، ... ولا وضع النفس الكريمة كالفقر
ومثل ذلك قول الآخر:
الفقر يُزري بأقوامٍ ذوي حسبٍ ... وقد يُسَوِّد غير السيد المالُ
وكقول الآخر:
أجلَّك قومٌ حين صرتَ إلى الغنى، ... وكل غنيٍّ في العيون جليلُ
إذا مالت الدنيا إلى المرء حَوَلت ... إليه، ومال الناس حيث تميلُ
فهؤلاء لو يذهبوا إلى تفنيد المتظرفين، ولا الطعن على المتفننين، وكيف، والتظرّف بهم أليق، وسمةُ الظرف عليهم أصدق.
وهذا الباب قد ذكرته على جملته في كتاب " نظام التاج في صفة الأنْوِك المرزوق والظريف المحتاج " وجعلنا جملة ما مرّ في كتابنا نَصَفة بيننا وبين من زعم أن الأمر ليس كذلك.
والذي زعم أنه لا يكون للفقير ظرفٌ قد تجاوز في الجَهالة والسُّخف؛ بلى إن الظرف بذي التقلل مليح، ولكن الهوى والعشق بهم قبيحٌ، وذلك أن الفقير إن طلب لم ينل، وإن رام بلوغاً لم يصل، وإن استوصل لم يوصل، فهو كمد القلب، عازب اللب، حزين النفس، ميت الحس، ذاهل العقل،