بعيد الوصل، فتركه التعرّض لما لا يقدر على بلوغ إتمامه أولى من تلبّسه بما يزيده في اغتمامه، وقد يجوز أن يكون ظريفاً بغير عشق، كما كان عاشقاً بغير فسق، لأنه لا تُهيأ له إقامة حدود العشق والظرف بلباقته، ونظافته، وتخلّفه، وتملّقه، ومداراته، ومساعدته، ولا يتهيأ له القيام بحدود العشق إذ لا مال له فيُعينه على هواه، ولا مقدرة له فتبلغه رضاه، وإن بلي بمن يستهديه ويستكسبه ويطلب بره، ويريد فضله، وهو لا يقدر على ذلك فهي الطامة الكبرى، والمصيبة العظمى، والحسرة التي تبقى، والكمد الذي لا يفنى. فليتحرّز الأديب من الهوى قبل وقوعه في العَطَب، وليتحفّظ منه قبل طلبه التخلّص من شَركه، فلا يقدر على الهرب، وقلّ من رأيت وقع في هوىً فنجا من غُلّه، أو أمكنه التخلّص من حبله، ولن يقدر على التخلُّص من الهوى بعد الوقوع في درك البلا، إلا مالكٌ لقلبه، مانعٌ لغربه، حازمٌ في فعله، جامع لعقله، فإن الأديب إذا كان بهذه الصفة، ورأى آيات الملل، وعلامات الذُّلّ، وأمارات الغدر، ودلالات الهجر، بادر فريسته، وتخلّص مهجته، وزجر قلبه، وصرف حبّه، ولم يُقم على طول الجفاء، ولم يُعرّض نفسه لطول البلاء، ولم يستعبدها بالتذلل، والخشوع، والتضرّع، ولكنه يصرفها صرف مقتدرٍ عيوفٍ، ويمنعها منع مالكٍ عزوفٍ. وقد شرحت لك ما قيل في المُصارمة باباً لتقف عليه، يبين لك صحةً ما فيه، إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله.