وذلك أني كنتُ صبّاً بحبه، ... أجاوز للإفراط في حبه الحدّا
فقابلني من قلّة الحفظ للسوفا، ... بأن خانني ودّي، ولم يَرعَ لي عهدا
فقلتُ لقلبي بالملامة فاصطبر، ... ورُمّ سلوةً تلقَى بسلوتك الرُّشدا
فطاوعني قلبي، فبتُّ مسلَّماً، ... أفتّش عن ودّي فلا أجد الوُدّا
وأنشد أبو الطيب لنفسه في مثل ذلك:
عتبتُ عليكم مرةً بعد مرةٍ، ... وأفرطتُ في التعذال، واللوم، والزجرِ
فلما رأيتُ القول ليس بنافعي، ... ولا النهيَ مقبولاً لديّ، ولا أمري
زجرتُ فؤادي زجرة عن هواكمُ ... وقلتُ له سرّاً، فأصغَى إلى سرّي:
أفقْ كم يكون الهجر ممن تحبُه، ... وهجرُ الذي تهوى أحرُّ من الجمر
وصبرك لو تدري على الهجر ساعةً، ... وقد كنتَ ترجوه أحرّ من الجمرِ
تَعزَّ، فإنّ الغدر منه سجينةٌ، ... ولا داء أدوى من معالجة الغدر
تَعزَّ، فإن اليأس يذهب بالهوى ... ولا شيء أشفى للفؤاد من الهجرِ
تَعزَّ وداوِ القلب منك بهجره، ... ففي الهجر، لو يأتي، شفا غُلّةِ الصدر
فطاوعني قلبي، فبتُّ أرى الهوى، ... وما كنتُ فيه كالجنون، أوِ السحر
وأصبح قلبي فارغاً من هواكمُ، ... كأنْ لم يكن عاناه في سالف الدهر
وأضحى، وما فيه من الحب والهوى ... إذا قيس، مقدار العَشير من الذَّرِّ
ولقد أحسن الذي يقول:
وددتُك لمّا كان ودُّك خالصاً، ... وأعرضتُ لمّا صار نهباً مقسَّما