إلى حبهن، ودعَته الرغبة إلى ودّهن، فتمكّن منه الهوى، وتفرّد به الضنى، وتلك لا تشعر بسهره، ولا تعبأ بفكره، وبالله أقسم صادقاً، لو حلفْتُ أنهن لا يعرفن شيئاً من الوفاء، ما حنثْتُ، ولو بحث المغرور بهن، المخدوع بحبهن، عن صحيح أخبارهن، وفحص عن مكنون أسرارهن، لوقَف على صورة غدرهن، ولَبان له جملةٌ من مكرهن، ولهنّ عليه بعد الكرامة، ولرجع على نفسه بالملامة، كما أنشدني بعض الأدباء لنفسه:
أوَصْلَك أرجو، بعد أن رثّ حبله، ... لقد ضلّ سعيي، إذ رجونُ ملولا
أتوب إليك اليوم من كل توبةٍ، ... فقد هُنتَ في عيني، وكنتَ جليلا
إذا لم يجد إلفي عن الغدر مذهباً، ... وجدتُ إلى حسن العَزاء سبيلا
فوالله لا أرضيتُ داعيةَ الهوى ... إليكَ، ولا أغضبتُ فيك عَذولا
وأنشدني أيضاً:
سأغدر، حتى تعجبوا من خيانتي، ... فما ليّ ذنبٌ غير حسن وفائي
ولولا أمورٌ عارضتَ ما سبقتني ... إلى الغدر حقاّ، لو تُركتَ ورائي
سأُنزف دمعي حَسرةً وتندُّماً، ... على ما مضى صَبوتي وعَنائي
وأنشدني للحسين الخليع:
تُراك على الأيام تنجو مسلَّماً، ... ولستَ ترى من غدرةٍ أبداً بُدّا
ألستَ الذي آليتَ بالله جاهداً ... يميناً، وخُنتَ الله مَوثقَه عَمدا
ألا في سبيل الله وُدٌّ بذلتُه ... لمن خانني وُدّي، ولم يَرْعَ لي عهدا
عدمتُك من قلبٍ أقام لغادرٍ ... على العهد، حتى كاد يقتلني جِدّا