مودّة العبد المهتضَم، الذي توقعه جَريرته، وتوبقه خطيئته، وتحُلّ به إساءته، وتلزمه هفواته. سيدي! أوقعني يسير جَفائك، وإعراض لَحظاتك، في بحار هُمومٍ، غريقُها غريق صبابةٍ وغُمومٍ. أخاطبك بلسانٍ يعجز عن المخاطبة، وأكاتبك بيدٍ لا تجري إلى المكاتبة، وأُناجيك بضمير الهَيبة المشاهد لك في الغيبة، مناجاة مغرمٍ وصريع تجلُّدٍ، وحليف تلدُّدٍ. سيدي! كلّ عذابٍ ووجدٍ جديدٍ، وسَقام عتيدٍ، فهو في محبّتك، والدوام على مودّتك يسيرٌ، فأما السبيل إلى وجه السرور فمتعذّرةٌ، والخلاص في طُرق السلامة إلى الراحة فمستوعرةٌ، قد غلب الظمأ، وبَعُد المورِد، وقلّ العَزاء، وفُقد الصبر، وانحلّت العزيمة، وبطّل الرأي، وثَبَتَ الهوى، فتمكّن في الحشا، فلا مَحيص لعبدك عنك، ولا بدّ له في حالة السُّخط والرضى منك. سيدي! الرجوع إلى محمود الشيمة أشبه من العَود بالفضل، والتطوّل بالوَصل أولى بالمَولى من الوقوف على الصدّ الذي يَقدح في النيّة، ويُزيل عقد الطوِيّة، وشفيعي إليك، الذي أرجو نجاح الشفاعة، خُضوعي لك، واعتصامي بك، وانحطاطي في طاعتك، ووقوفي بين يديك مُستكيناً، متحيّراً، مُعترفاً، فإن ذلك أبلغ شفيعٍ، وأنت فيما تراه في أمري أكرمُ مولىً في كل حال، فإنه يتوقّع جَواب كِتابه بما يَسكن إليه، وتتجدّد به النعمة عليه، فحقِّقْ تأميله، وأكرِم صَفَده، وأقِم أوَدَه، وعُد في جَفائه، إلى دوام صَفائه، والسلام.