في خلال ذلك، ثم قام بإزار كان معه، فقطع به جانب الخباء ومهّد لي جانباً، وترك جانباً خالياً، فلما كان في الليل سمعته يبكي ويشكو إلى شص كان معه، فأرِقتُ له ليلتي. فلما أصبحتُ طلبت الإذن، فأبى، وقال: الضيافة ثلاثٌ، فأقمتُ عنده، وسألته عن اسمه ونسبته، وحاله، فانتسب لي، فإذا هو من بني عُذرة وأشرافهم، فقلت: يا هذا! وما الذي احلّك هذا الموضع؟ فأخبرني أنه يهوى ابنة عمه له، وتهواه، وأنه خطبها إلى أبيها، فأبى أن يزوّجها منه لقلة ذات يده، وأنه زوّجها رجلاً من بني كِلاب فخرج بها عن الحيّ، فأسكنها في موضعه ذلك، وأنه تنكّر، ورضي أن يكون راعياً له، لتأتيه ابنة عنه، فتراه ويراها، وجعل يشكو إليّ صبابته بها، وشدّة عشقه لها، حتى إذا جَنّنا الليل وحان وقت مجيئها جعل يتقلقل ويقوم ويقعد كالمتوقّع لها. فأبطأت عن الوقت، وغلبه الشوق، فوثب قائماً وأنشأ يقول:
ما بال ميّة لا تأتي لعادتها، ... أهاجها طربٌ أم صدّها شُغُلُ
لكنّ قلبي لا يلهيه غيرهُمُ، ... حتى الممات ولا لي غيرهم أمل
لو تعلمين الذي بي من فراقكُمُ، ... لما اعتذرت، ولا طالت لك العللُ
روحي فداؤكِ قد هيّجتِ لي سَقَماً ... تكاد من حره الأعضاء تنفصل
لو أن غاديةً منه على جبلٍ ... لزال، وانهدَّ عن أركانه الجبل
ثم قال: يا أخا بني عُذرة، مكانك حتى أعود إليك، فإني أتوهم أن أمراً عرض لابنة عمي. ثم مضى فغاب عن بصري، فلم يلبث أن أقبل وعلى يديه شيء محمولٌ، وقد علا شهيقه ونحيبه، فقال: يا أخا بني عُذرة، هذه بنت عمي أرادت أن تأتيني، فاعترضها السبع فأكلها؛ ثم وضعها عن يده وقال: على رِسْلك حتى أعود إليك، ومضى فأبطأ، حتى أيستُ من رجوعه،