للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم أقبل ورأس الأسد على يده، فوضعه، وجعل بنكُتُ على أسنانه، وهو يقول:

ألا أيها الليث المدلّ بنفسه، ... هُبِلتَ لقد جرّت يداك لنا حُزنا

وغادرتَني فرداً، وقد كنت آنساً ... وصيّرت بطن الأرض ثمّ لنا سِجنا

ثم قال: يا أخا بني عُذرة، إنك ستراني بين يديك ميتاً، فإذا أنا متّ، فاعمد إليّ وإلى بنت عمي، فأدرجنا في كفنٍ واحد، واحفر لنا جدثاً واحداً، وادفنّا فيه، واكتب على قبري هذين البيتين:

كنا على ظهرها، والعيش في مَهَلٍ، ... والعيش يجمعنا، والدار والوطن

ففرّق الدهر بالتشتيت أُلفتنا، ... فاليومَ يجمعنا في بطنها الكفنُ

ورُدّ الغنم على صاحبها، وأعلمه بقصتنا، ثم عمد إلى خِناقٍ فطرَحه في عنقه. فناشدته الله أن لا يفعل، فأبي، وجعل يخنق نفسه، حتى سقط بين يديّ ميتاً. فلما أصبحتُ كفّنته وابنه عمه كما أمرني، ودفنتهما في فبر واحد، وكتبتُ البيتين على قبرهما ورددتُ الغنم على زوجها، وأعلمتُه بقصته، فجعل يأكل كفّيه أسفاً أن لا يكون جمع بينهما في حياتهما. فهذا وما أشبهه كثير جداً.

ورُوي عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: كنا عند عُروة بن الزبير وعنده رجل من بني عُذرة فقال له عروة: يا عُذري بلغني أن فيكم رقةً وغزلاً، فأخبرني ببعض ذلك! قال: لقد خلّفتُ في الحي ثمانين مريضاً دنفاً عِشقاً ما بهم غير الحب قد خامر قلوبهم.

<<  <   >  >>