{وجاءه قومه يهرعون إليه} قَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: لا يَكُونُ الإِهْرَاعُ إِلا إِسْرَاعًا مَعَ رِعْدَةٍ. قَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: الإِهْرَاعُ فِعْلٌ وَاقِعٌ بِالْقَوْمِ , وَهُوَ لَهُمْ فِي الْمَعْنَى ,
كَمَا قَالَتِ الْعَرَبُ: قَدْ أُولِعَ الرَّجُلُ بِالأَمْرِ فَجَعَلُوهُ مَفْعُولا وَهُوَ صَاحِبُ الْفِعْلِ , وَمِثْلُهُ: " أُرْعِدَ زيد " و " سهى عَمْرٌو " مِنَ السَّهْوِ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الأَفَاعِيلِ خَرَجَ الاسْمُ مَعَهُ مُقَدَّرًا تَقْدِيرَ الْمَفْعُولِ , وَهُوَ صَاحِبُ الْفِعْلِ لا يُعْرَفُ لَهُ فَاعِلٌ غيره.
قوله تعالى: {ومن قبل} أي مجيء الأضياف {كانوا يعملون السيئات} فقال لوط: {هؤلاء بناتي} يَعْنِي النِّسَاءَ وَلِكَوْنِهِنَّ مِنْ أُمَّتِهِ صَارَ كَالأَبِّ لهن {أطهر لكم} أي أحل {فاتقوا الله} أَيِ احْذَرُوا عُقُوبَتَهُ {وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} أَيْ لا تَفْعَلُوا بِهِمْ فِعْلا يُوجِبُ حَيَائِي {أليس منكم رجل رشيد} فَيَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ {قَالُوا: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} أَيْ مِنْ حَاجَةٍ {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} أَيْ إِنَّمَا نُرِيدُ الرِّجَالَ لا النِّسَاءَ. قَالَ: {لو أن لي بكم قوة} أَيْ جَمَاعَةً أَقْوَى بِهِمْ عَلَيْكُمْ {أَوْ آوِي إلى ركن شديد} أَيْ إِلَى عَشِيرَةٍ مَنِيعَةٍ. وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَغْلَقَ بَابَهُ وَهُمْ يُعَالِجُونَ الْبَابَ وَيَرُومُونَ تَسَوُّرَ الْجِدَارِ فَلَمَّا رَأَتِ الْمَلائِكَةُ مَا يَلْقَى مِنَ الْكَرْبِ {قَالُوا: يَا لُوطُ إنا رسل ربك} فَافْتَحِ الْبَابَ وَدَعْنَا وَإِيَّاهُمْ. فَفَتَحَ الْبَابَ وَدَخَلُوا. وَاسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي عُقُوبَتِهِمْ فَأَذِنَ [لَهُمْ] فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ وُجُوهَهُمْ فَأَعْمَاهُمْ فَانْصَرَفُوا يَقُولُونَ النَّجَاءَ النَّجَاءَ إِنَّ فِي دَارِ لُوطٍ أَسْحَرَ قَوْمٍ فِي الأَرْضِ. وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا لُوطُ كَمَا أَنْتَ حَتَّى تُصْبِحَ. [يُوعِدُونَهُ] . فَقَالَ لهم لوط: متى موعد هلاكهم؟ قالوا: لصبح. قَالَ لَوْ أَهْلَكْتُمُوهُمُ الآنَ؟ فَقَالُوا: أَلَيْسَ الصُّبْحُ بقريب!
ثم قالت له الملائكة: " فأسر بأهلك ". فَخَرَجَ بِامْرَأَتِهِ وَابْنَتَيْهِ وَأَهْلِهِ وَبَقَرِهِ وَغَنَمِهِ {بِقِطْعٍ من الليل} أَيْ بِبَقِيَّةٍ تَبْقَى مِنْ آخِرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute