للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَمِنَ النَّاسُ عَلَيْهِ فِي صُحْبَتِكَ وَذَاتِ يَدِكَ , وَكُنْتَ كَمَا قَالَ ضَعِيفًا فِي بَدَنِكَ قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى , مُتَوَاضِعًا فِي نَفْسِكَ عَظِيمًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى , جَلِيلا فِي أَعْيُنِ النَّاسِ كَبِيرًا فِي أَنْفُسِهِمْ , لَمْ يَكُنْ لأَحَدِهِمْ فِيكَ مَغْمَزٌ وَلا لِقَائِلٍ فِيكَ مَهْمَزٌ وَلا لِمَخْلُوقٍ عِنْدَكَ هَوَادَةٌ , الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ عِنْدَكَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ حَتَّى تَأْخُذَ بِحَقِّهِ , الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ عِنْدَكَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ , وَأَقْرَبُ النَّاسِ عِنْدَكَ أَطْوَعُهُمْ للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَتْقَاهُمْ , شَأْنُكَ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ وَالرِّفْقُ , قَوْلُكَ حُكْمٌ وحتم , وأمدك حِلْمٌ وَحَزْمٌ وَرَأْيُكَ عِلْمٌ وَعَزْمٌ , اعْتَدَلَ بِكَ الدِّينُ وَقَوِيَ بِكَ الإِيمَانُ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ فَسَبَقْتَ وَاللَّهِ سَبْقًا بَعِيدًا وَأَتْعَبْتَ مَنْ بَعْدَكَ إِتْعَابًا شَدِيدًا , وَفُزْتَ بِالْخَيْرِ فَوْزًا مُبِينًا.

فَجَلَلْتَ عَنِ الْبُكَاءِ وَعَظُمَتْ رَزِيَّتُكَ فِي السَّمَاءِ وَهَدَتْ مُصِيبَتُكَ الأَنَامَ , فَإِنَّا للَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. رَضِينَا عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَضَاءَهُ وَسَلَّمْنَا لَهُ أَمْرَهُ. وَاللَّهِ لَنْ يُصَابَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِكَ أَبَدًا , كُنْتَ لِلدِّينِ عِزًّا وَحِرْزًا وَكَهْفًا.

فَأَلْحَقَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا حَرَمَنَا أَجْرَكَ وَلا أَضَلَّنَا بَعْدَكَ.

فَسَكَتَ النَّاسُ حَتَّى قَضَى كَلامَهُ ثُمَّ بَكَوْا حَتَّى عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَقَالُوا: صَدَقْتَ يَا خَتَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(أَنْفِقِ الْمَالَ قَبْلَ إِنْفَاقِكَ الْعُمْرَ ... فَفِي الدَّهْرِ رِيَبُهُ وَمَنُونُهُ)

(قَلَّمَا يَنْفَعُ الثَّرَاءُ بَخِيلا ... غَلِقَتْ فِي الثَّرَى الْمَهِيلِ رُهُونُهُ)

(لَوْ نَجَا مِنْ حِمَامِهِ جَاعِلُ الْمَالِ ... مَعَاذًا لَهُ نَجَا قَارُونُهُ)

(خَازِنُو الْمَالِ سَاجِنُوهُ وَمَا كَانَ ... يَسْعَى لِسَاجِنٍ مَسْجُونُهُ)

لَمَّا طُبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَشْرَفِ الأَخْلاقِ كَانَ مِنْهَا الْكَرَمُ , فَأُعْطِيَ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ , فَلَمَّا سَارَ فِي فَيَافِي الْجُودِ تَبِعَهُ صَدِيقُهُ فَجَاءَ بِكُلِّ ماله فَقَالَ: مَا أَبْقَيْتَ؟ قَالَ أَبْقَيْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>