للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُفَارِقُهُمْ , فَيُلاحِظُونَ فِيهَا الْعِبَرُ الدَّالَّةُ عَلَى قُدْرَةِ الْخَالِقِ مِنْ عَجَائِبِ خَلْقِهَا , وَهِيَ عَلَى عِظَمِهَا مذللة للحمل الثقيل , وتنقاد للصبي الصغير , وليس فِي ذَوَاتِ الأَرْبَعِ مَا يَحْمِلُ وَقْرَهُ وَهُوَ بَارِكٌ فَيُطِيقُ النُّهُوضَ بِهِ سِوَاهَا.

يَا مُقِيمًا " قَدْ حَانَ سَفَرُهُ , يَا مَنْ عَسَاكِرُ الْمَوْتَى تَنْتَظِرُهُ , سَيَعْزِلُ الصِّحَّةَ السَّقَمُ , وَسَيَغْلِبُ الْوُجُودَ الْعَدَمُ , السَّاعَاتُ مَرَاحِلُ وَالْمَوْتُ سَاحِلٌ , الْبِدَارَ قَبْلَ فَوَاتِهِ , اجْمَعِ الزَّادَ قَبْلَ شَتَاتِهِ:

(إِذَا كُنْتُ أَعْلَمُ عِلْمًا يَقِينًا ... بِأَنَّ جَمِيعَ حَيَاتِي كَسَاعَةْ)

(فَلِمَ لا أَكُونُ ضَنِينًا بِهَا ... وَأَجْعَلُهَا فِي صَلاحٍ وَطَاعَةْ)

كَمْ أَخْلَى الْمَوْتُ دَارًا , كَمْ تَرَكَ الْمَعْمُورَ قِفَارًا , كَمْ أَوْقَدَ مِنَ الأَسَفِ نَارًا , كَمْ أَذَاقَ الْغُصَصَ الْمُرَّةَ مِرَارًا , لَقَدْ جَالَ يَمِينًا وَيَسَارًا , فَمَا حَابَى فَقْرًا وَلا يَسَارًا. أَيْنَ الْجَيْشُ الْعَرَمْرَمُ , أَيْنَ الْكَبِيرُ الْمُعَظَّمُ. إِنَّ الزَّمَانَ يَقْدَحُ فِي يَلَمْلَمَ , أَلْحَقَ أَخِيرًا بِمَنْ تَقَدَّمَ وَبَنَى يَسِيرًا ثُمَّ هَدَّمَ , بَيْنَا يُرِي بحر الأمل لمن تيمم أتاه فرآه سراياً فَتَيَمَّمَ.

(أَيْنَ الَّذِينَ عَلَى عَهْدِ الثَّرَى وَطِئُوا ... وَحُكِّمُوا فِي لَذِيذِ الْعَيْشِ فَاحْتَكَمُوا)

(وَمَلَكُوا الأَرْضَ مِنْ سَهْلٍ إِلَى جَبَلٍ ... وَخَوَّلُوا نِعَمًا مَا مِثْلُهَا نِعَمُ)

(لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ عَلَى ضَنِّ الْقُلُوبِ بِهِمْ ... إِلا رُسُومُ قُبُورٍ حَشْوُهَا رِمَمُ)

سَارُوا إِلَى دَارِ الْجَزَاءِ عَلَى الأَعْمَالِ , رَحَلَ القوم فاسأل الأطلال , وإنما كانت ففنيت آجال , لا يُجِيبُونَ دَاعِيًا , الْقَوْمُ فِي اشْتِغَالٍ , غَالَهُمْ مِنَ الْبِلَى أَقْبَحَ مَا غَالَ , آلَتْ أَمْوَالُهُمْ إِلَى أَكُفِّ الآلِ , بَضَّعَ الأَهْلَ بَضَائِعَهُمْ وَقَفَّلَهَا إِلَى الأَقْفَالِ , وَتَلَذَّذُوا بِكَدِّ غَيْرِهِمْ فَسَلْ سَالِبًا عَنْ شَلْشَالٍ , هَذَا مَصِيرُكُمْ عَنْ قَرِيبٍ مَا يَمُرُّ عَلَى الْبَالِ {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بهم وضربنا لكم الأمثال} .

(وَمُسَنَّدُونَ تَعَاقَرُوا كَأْسَ الرَّدَى ... وَدَعَا بِشُرْبِهِمُ الْحِمَامُ فَأَسْرَعُوا)

(بَرَكَ الزَّمَانُ عَلَيْهِمُ بِجِرَانِهِ ... وَهَفَتْ بِهِمْ رِيحُ الْخُطُوبِ الزَّعْزَعُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>