للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمْ يَبْقَ إِلا النَّظَرُ فِي الآثَارِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْمُؤْثَرِ.

وَجَمِيعُ الْمَوْجُودَاتِ مِنْ آثَارِ قُدْرَتِهِ.

وَأَعْجَبُ آثَارِهِ الآدَمِيُّ , فَإِنَّكَ إِذَا تَفَكَّرْتَ فِي نَفْسِكَ كَفَى , وَإِذَا نَظَرْتَ فِي خَلْقِكَ شَفَى. أَلَيْسَ قَدْ فَعَلَ فِي قَطْرَةٍ [مِنْ] مَاءٍ مَا لَوِ انْقَضَتِ الأَعْمَارُ فِي شَرْحِ حِكْمَتِهِ مَا وَفَتْ!

كَانَتِ النُّقْطَةُ مَغْمُوسَةً فِي دَمِ الْحَيْضِ , وَمِقْيَاسُ الْقُدْرَةِ يَشُقُّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ , خلق منها ثلاثمائة وستين عظماً وخمسمائة وَتِسْعًا وَعِشْرِينَ عَضَلَةً , كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَحْتَهُ حِكْمَةٌ , فَالْعَيْنُ سَبْعُ طَبَقَاتٍ , وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَضَلَةً لِتَحْرِيكِ حَدَقَةِ الْعَيْنِ , وَأَجْفَانِهَا , لَوْ نَقَصَتْ مِنْهَا وَاحِدَةٌ لاخْتَلَّ الأَمْرُ , وَأَظْهَرَ فِي سَوَادِ الْعَيْنِ عَلَى صِغَرِهِ صُورَةَ السَّمَاءِ مَعَ اتِّسَاعِهَا , وَخَالَفَ بَيْنَ أَشْكَالِ الْحَنَاجِرِ فِي الأَصْوَاتِ , وَسَخَّرَ الْمَعِدَةَ لإِنْضَاجِ الْغِذَاءِ , وَالْكَبِدَ لإِحَالَتِهِ إِلَى الدَّمِ , وَالطِّحَالَ لِجَذْبِ السَّوْدَاءِ وَالْمَرَارَةَ لِتَنَاوُلِ الصَّفْرَاءِ [كُلُّهَا] وَالْعُرُوقُ كَالْخَدَمِ لِلْكَبِدِ تَنْفُذُ مِنْهَا الدِّمَاءُ إِلَى أطراف البدن.

فيا أيها الْغَافِلُ مَا عِنْدَكَ خَبَرٌ مِنْكَ , فَمَا تَعْرِفُ مِنْ نَفْسِكَ إِلا أَنْ تَجُوعَ فَتَأْكُلَ

وَتَشْبَعَ فَتَنَامَ , وَتَغْضَبَ فَتُخَاصِمَ , فَبِمَاذَا تَمَيَّزْتَ عَلَى الْبَهَائِمِ!

ارْفَعْ بَصَرَ فِكْرِكَ إِلَى عَجَائِبِ السَّمَوَاتِ , فَتَلَمَّحِ الشَّمْسَ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي مَنْزِلٍ , فَإِذَا انْخَفَضَتْ بَرَدَ الْهَوَاءُ وَجَاءَ الشِّتَاءُ , وَإِذَا ارْتَفَعَتْ قَوِيَ الْحَرُّ , وَإِذَا كَانَتْ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ اعْتَدَلَ الزَّمَانُ , وَالشَّمْسُ مِثْلُ الأَرْضِ مِائَةً وَنَيِّفًا وَسِتِّينَ مَرَّةً وَأَصْغَرُ الْكَوَاكِبِ مِثْلُ الأَرْضِ ثَمَانِيَ مَرَّاتٍ.

ثُمَّ اخْفِضْ بَصَرَكَ إِلَى الأَرْضِ تَرَى فِجَاجَهَا مُذَلَّلَةً لِلتَّسْخِيرِ , فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَتَفَكَّرُوا فِي شُرْبِهَا بَعْدَ جَدْبِهَا بِكَأْسِ الْقَطْرِ , وَتَلَمَّحْ خُرُوجَ النَّبَاتِ يَرْفُلُ فِي أَلْوَانِ الْحُلَلِ عَلَى اخْتِلافِ الصُّوَرِ وَالطُّعُومِ وَالأَرَايِيحِ , وَانْظُرْ كَيْفَ نَزَلَ الْقَطْرُ إِلَى عِرْقِ الشَّجَرِ , ثُمَّ عَادَ يَنْجَذِبُ إِلَى فُرُوعِهَا. وَيَجْرِي فِي تَجَاوِيفِهَا بِعُرُوقٍ لا تَفْتَقِرُ إلى كلفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>