للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثالث: قد ذكرنا ما حكاه " ابنُ عبدالبر " من تعميم الحكم بالاتصال فيما يذكره الراوي عن من لقيه بأي لفظٍ كان. وهكذا أطلق " أبو بكر الشافعي الصيرفي " (١) ذلك فقال: " كلُّ من عُلِم له سماعٌ من إِنسان فحدَّث عنه، فهو [١٤ / و] على السماع، حتى يُعلَم أنه لم يسمع ما حكاه، وكل من عُلِم له لِقاءُ إنسانٍ فحدَّث عنه؛ فحكمُه هذا الحكمُ ".

وإنما قال هذا فيمن لم يظهر تدليسُه.

ومن الحجة في ذلك وفي سائر الباب؛ أنه لو لم يكن قد سمعه منه لكان بإِطلاقِه الروايةَ عنه من غير ذكْر الواسطة بينه وبينه، مدلِّسًا. والظاهرُ السلامةُ من وصمةِ التدليس، والكلامُ فيمن لم يُعرف بالتدليس (٢). ومن أمثلة ذلك قولُه: قال فلان كذا وكذا؛ مثل أن يقول نافع: قال ابن عمر، وكذلك لو قال عنه: ذَكَر، أو: فعل، أو: حدث، أو: كان يقول كذا وكذا، وما جانس ذلك. فكل ذلك محمولٌ ظاهرًا على الاتصال، وأنه تلقى ذلك منه من غير واسطة بينهما، مهما ثبت لقاؤه له على الجملة *.

ثم منهم من اقتصر في هذا الشرط المشروطِ في ذلك ونحوه، على مطلَق اللقاءِ


(١) محمد بن عبدالله بن إبراهيم، من أئمة الوجوه المتقدمين والمصنفين البارعين. له شرح الرسالة، وكتاب الإِجماع، والشروط. توفي سنة ٣٣٠ هـ ببغداد.
(٢) على هامش (غ): [قال الشيخ تقي الدين: إذا كان الراوي غير مدلس حملنا الرواية على الاتصال والسماع. وإن كان مدلسًا فالمشهور أنه لا يحمل على المساع حتى يبين الراوي ذلك. وما لم يبين فهو كالمنقطع فلا يقبل. وهذا جار على كثير من الأحاديث التي صححوها؛ إذ يتعذر علينا إثبات سماع المدلس فيها من شيخه. اللهم إلا أن يدعي مدع أن الأولين اطلعوا على ذلك، وإن لم نطلع نحن عليه]. قال: " وفي ذلك نظر " - (الاقتراح، للشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد: ٢٠٧ - ٢٠٨).

<<  <   >  >>