للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: العُلوُّ يبعد الإسنادَ من الخلل؛ لأن كلَّ رجل من رجاله يحتمل أن يقع الخللُ من جهتِه سهوا أو عمدا. ففي قِلَّتِهم قلة جهاتِ الخلل، وفي كثرتهم كثرة جهاتِ الخلل، وهذا جليٌّ واضح (١).

ثم إن العُلو المطلوبَ في رواية الحديث على أقسام خمسة:

أولها: القربُ [٧٦ / و] من رسول ِ الله - صلى الله عليه وسلم - بإسنادٍ نظيف غير ضعيف، وذلك من أجلِّ أنواع العلو، وقد روينا عن " محمد بن أسلم الطوسي " الزاهد العالم - رضي الله عنه -، أنه


(١) حاشية ملصقة على (غ): [قال عياض: النزول في الرواية، كالرواية عن الأقران وطبقة المحدث، أو بسند يوجد أعلى منه وأقل رجالا. والصعود: الرواية بالسند العالي والقرب فيه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقلة عدد رجاله، أو من إمام مشهور حدث به. هذا هو طريق أهل الصنعة ومذهبهم، وهو غاية جهدهم ... وبمقدار علو حديث الواحد منهم تكثر الرحلة إليه والأخذ عنه، مع أن له في طريق التحقيق والنظر وجهًا وهو أن أخبار الآحاد ورواية الأفراد لا توجب كما قدمنا علمًا ولا يُقطَع على مغيب صدقها؛ لجواز الغفلات والأوهام والكذب، على آحاد الرواة. لكن لمعرفتهم بالصدق ظاهرًا وشهرتهم بالعدالة والستر، غلب على الظن صحة حديثهم وصدق خبرهم، فكلفنا العمل به، وقامت الحجة بذلك بظاهر الأوامر الشرعية، ومعلوم إجماع سلف هذه الأمة، ومغيب أمر ذلك كله لله تعالى. وتجويز الوهم والغلط، غير مستحيل في كل راوٍ ممن سمّي في الخبر، فإذا كثروا وطال السند كثرت مظان التجويز، وكلما قل العدد قلت، حتى أن من سمع الحديث من التابعي المشهور عن الصحابي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اقوى طمأنينة بصحة حديثه، ثم من سمعه من الصحابي كان أعلى درجة في قوة الطمأنينة وإن كان الوهم والنسيان جائزًا على البشر، حتى إذا سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ارتفعت أسباب التجويز، وانسدت أبواب احتمالات الوهم وغير ذلك؛ للقطع أنه - عليه السلام - لا يجوز عليه شيء من ذلك في باب التبليغ والخبر، وأن جميع ما يخبر به حق وصدق. والله أعلم].

<<  <   >  >>