للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا الحكم في استثباتِ الحافظِ ما شكَّ فيه من كتابِ غيرِه أو من حفظِه، وذلك مروِيٌّ عن غير واحدٍ من أهل الحديث، منهم: " عاصم، وأبو عوانَةَ، وأحمدُ بنُ حنبل ". وكان بعضُهم يبين ما ثبَّتَه فيه غيرُه. فيقول: " حدثنا فلان، وثبتني فلان " كما روي عن " يزيد بن هارون " أنه قال: " أنا عاصم، وثبَّتني شعبةُ، عن عبدالله بن سَرْجِسَ ... " (١).

وهكذا الأمرُ فيما إذا وجد في أصل ِ كتابه كلمةً من غريبِ العربية أو غيرها غيرَ مقيدةٍ وأشكلتْ عليه؛ فجائزٌ أن يسأل عنها أهلَ العلم بها، ويرويها على ما يخبرونه به. رُويَ مثلُ ذلك عن " إسحاق بن راهَويه، وأحمدَ بنِ حنبل " وغيرِهما، (٢) - رضي الله عنهم -. والله أعلم.

الحادي عشر: إذا كان الحديث عند الراوي عن اثنين أو أكثرَ، وبين روايتهما تفاوتٌ في اللفظ، والمعنى واحدٌ، كان له أن يجمعَ بينهما في الإِسناد ثم يسوق الحديثَ على لفظِ أحدِهما خاصةً، ويقول: أخبرنا فلان وفلان، واللفظُ لفلانٍ، أو: وهذا لفظُ فلان، قال أو قالا: أخبرنا فلان، أو ما أشبه ذلك من العبارات.

ولِ " مسلم: صاحب الصحيح " مع هذا في ذلك عبارةٌ أخرى حسنةٌ، مثلُ قولِه: " حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة [٦٥ / و] وأبو سعيد الأشج، كلاهما عن أبي خالد، قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن الأعمش " وساق الحديثَ. فإعادتُه ثانيًا ذِكرَ أحدِهما خاصةً، إشعارٌ بأن اللفظَ المذكورَ له.

وأما إذا لم يخص أحدَهما بالذكر، بل أخذ من لفظِ هذا ومن لفظِ ذاك، وقال: " أخبرنا فلان وفلان، وتقاربا في اللفظِ، قالا: أخبرنا فلان "؛ فهذا غيرُ ممتنع على مذهبِ تجويز الروايةِ بالمعنى.

وقولُ " أبي داودَ: صاحبِ السنَن ": " حدثنا مُسَدَّد وأبو توبة، (٣) المعنى، قالا: حدثنا


(١) الكفاية: (باب ذكر بعض الروايات عمن قال: ثنا فلان وثبتني فلان) ٢١٨.
(٢) الكفاية: باب القول في المحدِّث يجد في أصل كتابه كلمة من غريب اللغة غير مقيدة؛ هل يجوز أن يسأل عنها أهل العلم بها؟ (٢٥٥ - ٢٥٦).
(٣) مسدد بن مُسَرْهَد بن مُسَرْبَل البصري، أبو الحسن: أول من صنف (المسند) بالبصرة، كان حافظًا حجة من الأئمة الأثبات، توفي سنة ٢٢٨ هـ (طبقات الحنابلة ١/ ٣٤١، وتذكرة الحفاظ ٢/ ٨). وأبو توبة، الطرطوسي، الربيع بن نافع الحلبي، روى عنه أبو داود. أخرج له الجماعة سوى الترمذي: ٢٤١ هـ.

<<  <   >  >>