للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجهُ الجمع بينهما أن هذه الأمراض لا تُعدِي بطبعها، ولكن الله - تبارك وتعالى - جعل مخالطة المرِيض بها للصحيح سببًا لإعدائه مرضَه. ثم قد [٨٤ / و] يتخلف ذلك عن سببِه كما في سائر الأسباب. ففي الحديث الأول نَفى - صلى الله عليه وسلم - ما كان يعتقده الجاهلُ من أن ذلك يُعدي بطبعِه، ولهذا قال: " فمن أعدى الأوَّلَ؟ " (١) وفي الثاني أعْلَمَ بأن الله - سبحانه - جعل ذلك سببًا لذلك، وحذر من الضرر الذي يغلب وجودُه عند وجودِه، بفعل ِ الله - تبارك وتعالى -. ولهذا في الحديث أمثال كثيرة (٢).

وكتاب (مختلف الحديث، لابن قُتَيبة) في هذا المعنى، إن يكن قد أحسن فيه من وجه، فقد أساء في أشياءَ منه قَصُرَ باعُه فيها، وأتى بما غيرُه أوْلى وأقوى. وقد روينا عن " محمد بن إسحاق بنِ خزيمة " الإمام أنه قال: " لا أعرف أنه رُوِيَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثان بإسنادين صحيحين متضادان، فمن كان عنده فلْيأتني به لأؤلف بينهما " (٣).

القسم الثاني: أن يتضادا بحيث لا يمكن الجمعُ بينهما، وذلك على ضربين:

أحدهما: أن يظهر كونُ أحدهما ناسخًا والآخر منسوخًا؛ فيُعمَلُ بالناسخ ويُتْرك المنسوخ.


= انظر صحيح البخاري، ك الطب: باب في الجذام. وباب لا عدوى ولا صفر. وفي فتح الباري جمع لرواياته والأقوال فيه (١٠/ ١٢٢ - ١٢٦) ومعه أيضًا، الفتح ١٠/ ١٣٢ وفي صحيح مسلم: كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة .. ولا يورد ممرض على مصح (٤/ ١٧٥٢) ح ٢٢٣١.
(١) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا عدوى ولا صفر ولا هامة " فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال إبلي تكون في الرمل كأنها الظباء فيأتي البعير الأجرب فيدخل بينها فيجربها؟ فقال: " فمن أعدى الأول؟ ". متفق عليه، واللفظ واحد. أخرجه البخاري في الطب، ومسلم في السلام.
(٢) توسع شراح الصحيحين والمصنفين على ابن الصلاح في توجيه ظاهر الخلاف بين الحديثين، منهم القاضي عياض والنووي في شرح مسلم، وابن حجر في (فتح الباري شرح صحيح البخاري، وفي شرح النخبة) وابن دقيق العيد في البرهان، والعراقي في التقييد وفي التبصرة، والسخاوي في (فتح المغيث) والسيوطي في (تدريب الراوي) والمسألة معروضة بتفصيل في (معاني الآثار للطحاوي ٤/ ٣٠٣ - ٣١٤) باب الرجل يكون به الداء هل يجتنب أو لا؟
(٣) أسنده الخطيب إلى أبي بكر ابن خزيمة، في (الكفاية، باب تعارض الأخبار ووجوه الترجيح بينها: ٤٣٣ - ٤٣٧) وقابل على علوم الحاكم، في النوع التاسع والعشرين: (معرفة سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعارضها مثلها).

<<  <   >  >>