للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نهضتْ جهابذةُ الحديثِ بكشفِ عَوارِها ومَحْوِ عارِها والحمد لله. وفيما روينا عن " الإمام أبي بكر السمعاني " أن بعضَ الكَرَّامِيَّة (١) ذهب إلى جوازِ وضع الحديث في باب الترغيب والترهيب (٢).


(١) نسبة إلى محمد بن كرَّام، أبي عبدالله السجستاني (ت ٢٥٥ هـ) وكان من عُباد المرجئة. انظر مع تقييد ابن نقطة، لسان الميزان ٥/ ٣٥٣ والعبر ٢/ ١٠.
(٢) طرة على ورقة ملصقة بنسخة (غ):
[قال القاضي عياض في (إكماله): اعلم أن الكذابين على ضربين: ضرب عرفوا بذلك في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهم على أنواع: منهم من يضع عليه ما لم يقله أصلاً؛ إما تراقُعًا واستخفافًا كالزنادقة وأشباههم، ممن لم يرع للدين وقارًا، أو حسبة بزعمهم وتدينًا، كجهلة المتعبدة الذين وضعوا الأحاديث في الفضائل والرغائب، أو إغرابًا وسمعة، كفسقة المحدثين، أو تعصبًا واحتجاجًا كدعاة المبتدعة ومتعصبي المذاهب، أو اتباعًا لهوى أهل الدنيا فيما أرادوه، وطلبِ العذر لهم فيما أتوه. وقد تعين جماعة في كل طبقة من هذه الطبقات عند أهل الصنعة وعلم الرجال.
ومنهم من لا يضع متن الحديث، ولكن ربما وضع للمتن الضعيف إسنادًا صحيحًا مشهورًا.
ومنهم من يقلب الأسانيد أو يزيد فيها ويتعمد ذلك؛ إما للإغراب على غيره، أو لدفع الجهالة عن نفسه.
ومنهم من يكذب فيدعي سماع ما لم يسمع ولقاء من لم يلق، ويحدث بأحاديثهم الصحيحة عنهم.
ومنهم من يعمد إلى كلام الصحابة أو غيرهم وحِكَم ِ العراب والحكماء فينسبها للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
فهؤلاء كلهم كذابون متروكو الحديث. وكذلك من تجاسر بالحديث بما لم يحققه ولم يضبطه أو هو شاك فيه.
فلا يُحدَّث عن هؤلاء ولا يُقبَل ما حدثوا به ولو لم يكن منهم مما جاءوا به من هذه الأمور إلا المرة الواحدة، كشاهدِ الزور إذا تعمد ذلك سقطت شهادته.
واختُلِفَ: هل تقبل في المستقبل إذا ظهرت توبته أو زادت في الخير حالته؟
والصنف الآخر من لا يستجيز شيئًا من هذا كله في الحديث ولكن يكذب في حديث الناس، قد عرف بذلك. فهذا أيضًا لا يقبل حديثه ولا شهادته، قاله " مالك " وغيره، وتنفعه التوبة، ويرجع إلى القبول.
فأما من يندر منه القليل من الكذب ولم يعرف به، فلا يقطع بتجريحه بمثله؛ إذ يتأول عليه الغلط أو الوهم، وإن اعترف متعمدًا بذلك، المرَّةَ الواحدة، مما لم يضرّ بها مسلمًا؛ فلا تلحق بمثله الجرحة وإن كان معصية؛ لندورها، ولأنها لا تلحق بالكبائر والموبقات، ولأن أكثر الناس قلما يسلمون من مواقعة بعض الهنات، ولهذا قال " مالك " - رحمه الله - فيمن ترد شهادته: أن يكون كاذبًا في غير شيء. وقال " سحنون " في الذي يقارف بعض الذنب كالزلة: تجوز شهادته لأن أحدًا لا يسلم من مثل هذا. فإذا تكرر هذا منه؛ سقطت به شهادته. وكذلك لا يسقطها كذبه فيما هو من باب التعريض أو الغلو في القول؛ إذ ليس بكذب في على الحقيقة، وإن كان في صورة الكذب؛ لأنه لا يدخل تحت حد الكذب، ولا يريد المتكلم به الإخبار عن ظاهر لفظه. وقد قال عليه السلام: " أما أبو جهم؛ فلا يضع عصاه عن عاتقه " وقال إبراهيم - عليه السلام -: " هذه أختي "، وقد أشار " مالك " - رحمه الله - لنحو ذلك. والله أعلم].
وانظر مقدمة النووي لشرح مسلم (١/ ١٢٩) وتبصرة العراقي (١/ ٢٦٣ - ٢٦٦) وشرح النخبة (١٢٣ - ١٣٠).

<<  <   >  >>