للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبلغنا عن " خلف بن سالم (١) المُخَرِّمي " قال: سمعتُ ابنَ عُيينةَ يقول: " نا عمرو بن دينار " (٢) يريد: حدثنا عمرو بن دينار؛ لكن اقتصر من " حدثنا " على النون والألف. فإذا قيل له: قل: " حدثنا عمرو " قال: لا أقول؛ لأني لم أسمع من قوله " حدثنا " ثلاثة أحرف وهي: حدَّث؛ لكثرة الزحام (٣).

قال الشيخُ - أبقاه الله -: قد كان كثير من أكابر المحدِّثين يَعظُمُ الجمعُ في مجالِسهم جدًّا، حتى ربما بلغ ألوفًا مؤلفة، ويُبَلِّغهم عنهم المستَملون، فيكتبون عنهم بواسطة تبليغ المسْتملينَ، فأجاز غيرُ واحدٍ لهم روايةَ ذلك عن المُمْلي. روينا عن " الأعمش " - رضي الله عنه - قال: " كنا نجلس إلى إبراهيمَ فتَتَّسِعُ الحلقةُ، فربما يُحدِّثُ بالحديث فلا يسمعه مَنْ تنحَّى عنه، فيسأل بعضُهم بعضًا عما قال، ثم يروونه وما سمعوه منه ". (٤) وعن " حماد بن زيد " أنه سأله رجلٌ في مثل ِ ذلك، فقال: " يا أبا إسماعيل كيف قلتَ؟ فقال: استفهمْ مَنْ


(١) على هامش (غ) من نسخة: [ابن صالح] والصحيح: ابن سالم كما في المتن وسائر النسخ. والمخرمي: نسبة إلى المخرم، محلة ببغداد نسب إليها أبو محمد خلف بن سالم (اللباب ٣/ ١٧٨) والضبط منه.
(٢) حكاه الخطيب في الكفاية (٦٩) ووقع في طبعة الهند [ثنا عمرو بن دينار] وليس السياق. وعلى هامش (غ) حاشية، من النسخة الأصل عن المؤلف:
[ولقد تسامح الناس في هذه الأعصار؛ فيستعجل القراء استعجالا يمنع من إدراك حروف كثيرة. وهذا عندنا شديد؛ لأن عمدة الرواية الصدق ومطابقة ما يخبر به للواقع. وإذا قال السامع على هذا الوجه: قرأه عليَّ فلان وأنا أسمع، أو: أنا فلان قراءة عليه وأنا أسمع؛ فهذا إخبار غير مطابق؛ فيكون كذبا. وما قيل في هذا أنه يدخل في الإجازة المقرونة بالسماع ويكون ذلك رواية لبعض الألفاظ بالإجازة من غير بيان؛ هذا تسامح لا أرضاه؛ لما أشرنا إليه من بُعْدِ الإجازة عن معنى الإخبار، بل ها هنا أمر آخر، وهو دلالة اللفظ على أنه سمع جميع ما يرويه من الشيخ. ولم يكن المتقدمون على مثل هذا التساهل. هذا " أبو عبدالرحمن النسائي " يقول فيما لا يحصى من المواضع في كتابه: " وذكر كلمة معناها كذا وكذا " والذي أراه في مثل هذا أن يستقري الشيخ برواية جميع الجزء. فإذا وقع مثل هذا في السماع أطلق الراوي الإخبار قائلا: أنا فلان، من غير أن يقول: قرأه عليه؛ لأنا قد بينا أن الإخبار الجملي في هذا، كاف لمطابقة الواقع، وكونه على قانون الصدق. غاية ما في الباب أن يكون بعض تلك الألفاظ التي لم يسمعها داخلة في هذا الإخبار الجملي، وذلك صدق، وإنما كرهنا ذلك فيما إذا لم يسمع الجزء أصلا؛ لمخالفته العادة، أو لكونه قد يوقع تهمة إذا عُلم أنه لم يسمع الجزء من الشيخ.
وهذا معدوم في هذه الصورة، لا سيما إذا أثبت السماع بغير خطه. وانتفت الريبة من كل وجه].
(٣ - ٤) أسندها الخطيب في الكفاية: عن الأعمش (ص ٧٢) وحماد بن زيد (٧١) وابن عيينة (٧٢) باب ما جاء في استفهام الكلمة من غير الراوي كالمستملي ونحوه.

<<  <   >  >>