للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيخِه: " أجزتُ له ما صحَّ عنده من سماعاتي " فرأى شيئًا من مسوعاتِ شيخ ِ شيخِه؛ فليس له أن يرويَ ذلك عن شيخِه عنه؛ حتى يستبينَ أنه مما كان قد صحَّ عند شيخِه كونُه من مسموعات شيخِه الذي تلك إجازتُه، ولا يكتفي بمجردِ صحةِ ذلك عنده الآنَ؛ عملاً بلفظِه وتقييدِه. ومَن لا يتفطنْ لهذا وأمثاله يَكثرْ عثارُه. والله أعلم.

هذه أنواعُ الإجازة التي تمسُّ الحاجةُ إلى بيانها. ويتركبُ منها أنواعٌ أُخَرُ سيتعرفُ المتأملُ حُكمَها مما أمليناه إن شاء الله تعالى.

ثم إنا نُنَبِّهُ على أمور:

أحدها: روينا عن " أبي الحسين (١) أحمدَ بنِ فارس " الأديب المصنفِ - رحمه الله - قال (٢): " معنى الإجازة في كلام العرب مأخوذٌ من جوازِ الماء الذي يُسقاه المالُ من الماشيةِ والحَرْث، يقال منه: استجزتُ فلانًا فأجازني، إذا أسقاك ماءً لأرضِك أو ماشيتِك. كذلك طالبُ العلم يسأل العالِمَ أن يجيزَه عِلْمَه فيجيزَه إياه " (٣).

قال المملي - أبقاه الله -: فللمجيزِ على هذا أن يَقولَ: " أجزتُ فلانًا مسموعاتي أو مَروِيَّاتي " فيُعدِّيه بغيرِ حرفِ جَرٍّ، من غيرِ حاجةٍ إلى ذكر لفظِ الرواية أو نحوِ ذلك. ويحتاج إلى ذلك من يَجعل الإجازةَ بمعنى التَسويغ والإِذْنِ والإِباحة، وذلك هو المعروف، فيقول: " أجزتُ لفلانٍ روايةَ مسموعاتي " مثلا. ومَن يقول منهم: " أجزت له مسمُوعاتي " فعلى سبيل ِ الحذف الذي لا يخفى نظيرُه. والله أعلم.

الثاني: [٤٥ / ظ] إنما تُستحسَنُ الإجازةُ إذا كان المجيزُ عالما بما يجيز، والمُجاز له من أهل ِ العلم؛ لأنها توسُّع وترخيصٌ يتأهَّلُ له أهلُ العلم لمسيس ِ حاجتهم إليها. وبالغ بعضُهم في ذلك فجعله شرطًا فيها. وحكاه " أبو العباس الوليدُ بن بكر المالكيُّ " عن


(١) متن (غ، ص). وبهامش (غ): [أبو الحسن] خ / ومثله في مطبوعة (ع).
انظر: " أحمد بن فارس بن زكريا، القزويني الرازي، أبا الحسين " صاحب (معجم مقاييس اللغة، والمجمل) في: اليتيمة: ٣/ ٢١٤، ابن الأنباري ٣٩٢، ابن خلكان ١/ ٣٥١، إنباه القفطي ١/ ٩٢ والعبر ٣/ ٥٨ وفيات سنة ٣٩٥ هـ.
(٢) أحمد بن فارس " في جزء له سماه مأخذ العلم " قاله السخاوي في (فتح المغيث ٢/ ٩٤).
(٣) أسنده الخطيب في (الكفاية: ٣١٢) عن أبي الحسين أحمد بن فارس.

<<  <   >  >>