للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشافعيين، واختاره ونَصَره " أبو العباس ِ الوليدُ بن بكر الغمري المالكي " في كتابِ (الوجازة في تجويز الإجازة) (١).

وحكَى " القاضي أبو محمد بن خلاد الرامَهرمُزِي " صاحب كتاب (الفاصل بين الراوي والواعي) عن بعض ِ أهل ِ الظاهر، أنه ذهب إلى ذلك واحتج له، وزاد فقال: " لو قال له: هذه روايتي لكن لا تروِها عني؛ كان له أن يرويها عنه، كما لو سمع منه حديثًا ثم قال له: لا تروه عني ولا أُجِيزه لك؛ لم يضره ذلك " (٣).

ووَجْهُ مذهبِ هؤلاء، اعتبارُ ذلك بالقراءةِ على الشيخ؛ فإنه إذا قرأ عليه شيئًا من حديثِه، وأقرَّ بأنه روايتُه عن فلانِ ابنِ فلان؛ جاز له أن يرويَه عنه، وإن لم يسمعه من لفظِه ولم يقل له: اروِه عني، أو: أذنتُ لك في روايته عني. والله أعلم.

والمختارُ ما ذُكِرَ عن غيرِ واحدٍ من المحدِّثين وغيرهم، من أنه لا تجوزُ الروايةُ بذلك، وبه قَطَع " الشيخُ أبو حامد الطوسي " من الشافعيين ولم يذكر غيرَ ذلك. (٣) وهذا لأنه قد يكون لك مسوعَه وروايتَه، ثم ل يأذنُ في روايته عنه لكونِه لا يُجَوِّزُ روايتَه لخلل ٍ يعرفُه فيه، ولم يوجد منه التلفظُ به، ولا ما يتنزل منزلةَ تلفظِه به، وهو تلفظ القارئ عليه وهو يسمع ويُقِرُّ به؛ حتى يكون قولُ الراوي عنه السامع ِ ذلك: " حدثنا وأخبرنا " صِدقًا،


(١) حكاه عياض في الإلماع (١٠٨) وقال: " وما قاله صحيح لا يقتضي النظر سواء؛ لأن منعه ألا يحدث بما حدث به، لا لعلة ولا ريبة في الحديث، لا يؤثر؛ لأنه قد حدثه فهو شي لا يرجع فيه. وما أعلم مُقتدًى به قال خلاف هذا ". ثم قال: " إلا أني قرأت في كتاب الفقيه أبي بكر بن أبي عبدالله المالكي القروي، في (طبقات علماء إفريقية) عن شيخ من جلة شيوخنا أنه أشهد بالرجوع عما حدث به بعض أصحابنا؛ لأمر نَقِمَه عليه " (الإلماع: ١١١).
(٢) المحدث الفاصل (٤٥١ ف ٥٤٠) والخطيب في الكفاية (٣٤٨) من طريق الرامهرمزي وكذلك عياض في الإلماع (١١٠) مع إضافة ما نقلناه آنفا.
قال أبو محمد ابن حزم الظاهري في (فصل صفة الرواية) من إحكامه: " وسواء أذن له المسموع عنه ذلك أو لم يأذن، حَجَر عليه الحديث عنه أو أباحه إياه، كل ذلك لا معنى له. ولا يحل لأحد أن يمنع من نقل حتى فيه خير للناس قد سمعه الناقل، ولا يحل لأحد أن يبيح لغيره نقل ما لم يسمع " وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ " وإنما هو حق أو كذب، فالحق الذي ينتفع به مسلم واحد فصاعدا واجب نقله، والكذب حرام ". (الإحكام: ٢/ ١٤٦).
(٣) الإمام أبو حامد الغزالي، الطوسي، في كتابه (المستصفى: مسألة مستند الراوي وكيفية ضبطه) ١/ ١٦٥ وانظر فتح المغيث ٢/ ١٢٩.

<<  <   >  >>