للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن على كَتَبةِ الحديثِ وطلبتِه، صرفَ الهمةِ إلى ضبطِ ما يكتبونه أو يُحصِّلونه بخطِّ الغيرِ من مروياتهم، على الوجهِ الذي رَووه شكلا ونَقْطًا يؤمَنُ معهما الالتباسُ. وكثيرًا ما يتَهاون الواثقُ بذهنِه وتيقظِه، وذلك وخيمُ العاقبة؛ فإن الإنسانَ مُعَرَّضٌ للنسيانِ، وأولُ ناس ٍ أولُ الناس. وإعجامُ المكتوبِ يمنع من استعجامِه، وشكلُه يمنع إشكالِه. ثم لا ينبغي أن يتعنى بتقييد الواضح الذي لا يكاد يلتبس، وقد أحسن من قال: إنما يُشْكَلُ ما يُشْكِلُ (١). وقرأت بخطِّ صاحبِ كتاب (سماتِ الخطِّ ورقومه: علي بنِ إبراهيم البغدادي) فيه: أن أهل العلم يكرهون الإعجامَ والإعرابَ إلا الملتبس.

وحَكَى غيرُه عن قوم أنه ينبغي أن يُشكَلَ ما يُشكِلُ وما لا يُشكِلُ؛ وذلك لأن المبتدئ وغيرَ المتبحرِ في العلم، لا يميزُ ما يُشكِلُ مما لا يُشكِل، ولا صوابَ الإعرابِ من خطئهِ (٢). والله أعلم.

وهذا بيانُ أمورٍ مفيدةٍ في ذلك:

أحدها: ينبغي أن يكونَ اعتناؤه - من بين ما يلتبس - بضبطِ الملتبِس من أسماءِ الناس أكثرَ؛ فإنها لا تُستدرَكُ بالمعنى ولا يستدَلُّ عليها بما قبلُ وبعدُ (٣).

الثاني: يستحَبُّ في الألفاظ المشكِلة، أن يُكَرِّرَ ضبطَها بأن يضبطَها في متنِ الكتابِ ثم يكتبها قُبالَةَ ذلك في الحاشيةِ مفردةً مضبوطةً؛ فإن ذلك أبلَغُ في إبانتها وأبعَدُ من التباسِها، وما ضبطَه في أثناءِ الأسطر ربما داخلَه نَقْطُ غيرِه وشَكلُه، مما فوقَه وتحتَه، لا سيما عند دقَّةِ الخطِّ وضيق الأسطُر، وبهذا جرى رسمُ جماعةٍ من أهل ِ الضبط (٤). واللهُ أعلم.


(١ - ٢) مثله في المحدث الفاصل (٦٠٨ ف ٦٨٨) والإلماع (١٥٠ - ١٥٢).
(٣ - ٤) انظر فيه (النقط والشكل) من المحدث الفاصل: ٦٠٨ ف ٨٨٦، والإلماع: ١٥٠ - ١٥٧ بمزيد تفصيل، ومعها تقييد العراقي: ٢٠٥.

<<  <   >  >>