للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويُستحب أنه ينظر معه في نسختِه، مَنْ حضر من السامعين ممن ليس معه نسخة، لا سيما إذا أراد النقل منها. وقد رُوِي عن " يحيى بن معين " أنه سئل عمن لم ينظر في الكتاب والمحدِّث يقرأ؛ هل يجوز أن يحدِّثَ بذلك عنه؟ فقال: أما عندي فلا يجوز، ولكن عامةَ الشيوخ هكذا سماعُهم (١).

[٥٤ / و] قلت: وهذا من مذاهبِ أهل ِ التشديد في الرواية، وسيأتي ذكرُ مذهبِهم - إن شاء الله تعالى -. والصحيحُ أن ذلك لا يُشترط، وأنه يصحُّ السماعُ وإن لم ينظر أصلا في الكتابِ حالةَ القراءة، وأنه لا يُشترط أن يُقابله بنفسه، بل يكفيه مقابلةُ نسختِه بأصل ِ الراوي وإن لم يكن ذلك حالةَ القراءة، وإن كانت المقابلةُ على يدي غيره إذا كان ثقةً موثوقًا بضبطِه (٢).

قلت: وجائز أن تكون مقابلته بفرع قد قوبل المقابلةَ المشروطةَ بأصل ِ شيخِه، أصل ِ السماع، وكذلك إذا قابل بأصل ِ أصل ِ الشيخ المقابَل ِ به أصلُ الشيخ ِ؛ لأن الغرض المطلوب أن يكون كتابُ الطالب مطابقًا لأصل ِ سماعِه وكتابِ شيخه، فسواء حصل ذلك بواسطةٍ أو بغيرِ واسطة. ولا يجزئ ذلك عند من قال: لا تصح مقابلتُه مع أحدٍ غير نفسِه، ولا يُقلد غيره ولا يكون بينه وبين كتابِ الشيخ (٣) واسطةٌ، وليقابل نسختَه بالأصل بنفسه حرفًا حرفًا حتى يكون على ثقة ويقين من مطابقتها له. وهذا مذهب متروك، وهو من مذاهب أهل التشديد المرفوضة في أعصارنا. والله أعلم.

أما إذا لم يعارض كتابَه بالأصل فقد سئل " الأستاذ أبو إسحاق الأسفرائيني " عن جواز روايته منه فأجاز ذلك، وأجازه " الحافظ أبو بكر الخطيب " أيضًا، وبَيَّنَ شرطَه فذكر أنه يشترَط أن تكون نسختُه نُقِلَت من الأصل ِ وأن يُبَِّنَ عند الرواية أنه لم يعارض.

وحَكى عن شيخه " أبي بكر البرقاني " أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي: هل للرجل ِ أن


= وهو ثاني بيتين، رواهما السمعاني بإسناده عن الحافظ أبي طاهر السلفي، أنشدهما لنفسه، وقبله:
واظِبْ على كَتْب الأمالي جاهدًا ......................................................... من ألسن الحفاظ والفقهاء
(أدب الإملاء: ١١).
(١ - ٢) قاله الخطيب (الكفاية: ٢٣٨، ٢٣٩).
(٣) في ص: [شيخه]، وما هنا من (غ، ع).

<<  <   >  >>