للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحتاجُ إليه، ولا بأس بكتبتِه آخرَ الكتابِ وفي ظهرِه، وحيث لا يخفى موضعُه. وينبغي أن يكونَ التسميعُ بخطِّ شخص ٍ موثوق به غير مجهول ِ الخطِّ، ولا ضيرَ حينئذٍ في أن لا يكتبَ الشيخُ المسمعُ خَطَّه بالتصحيح. وهكذا لا بأس على صاحبِ الكتابِ إذا كان موثوقًا به، أن يقتصر على إثباتِ سماعِه بخطِّ نفسِه؛ فطال ما فعل الثقاتُ ذلك.

وقد حدثني بمروَ " الشيخُ أبو المظفرُ بنُ الحافظ أبي سعد الهروي " عن أبيه عمن حدثه من الأصبهانية، أن " عبدالرحمن بن أبي عبدالله ابن مَنْده " قرأ ببغدادَ جزءًا على " أبي أحمدَ الفَرضي " وسأله خطَّه ليكون حُجةً له. فقال له أبو أحمد: يا بني، عليك بالصدقِ؛ فإنك إذا عُرِفتَ به لا يكذبك أحدٌ، وتُصَدَّقُ فيما تقول وتنقل، وإذا كان غير ذلك؛ فلو قيل لك: ما هذا خط أبي أحمد الفرضي، ماذا تقول لهم؟

ثم إن على كاتبِ التسميع التحري والاحتياطَ، وبيانَ السامع والمسموع والمسموع منه (١)، بلفظٍ غير محتمل، ومجانبةَ التساهل فيمن يُثبتُ اسمَه، والحذرَ من إسقاطِ اسم أحدٍ منهم لغرض ٍ فاسِد؛ فإن كان مُثبِتَ السماع غيرَ حاضرٍ في جميعِه، لكن أثبته معتمدًا على إخبارِ مَن يثق بخبرِه من حاضريه، فلا بأسَ بذلك إن شاء الله تعالى.

ثم إن من ثَبَتَ سماعُه في كتابِه، فقبيح به كتمانُه إياه ومنعُه من نقل سماعِه ومن نَسخ الكتاب، وإذا أعاره إياه فلا يبطئ به. روينا عن " الزهري " أنه قال: " إياك وغُلولَ الكُتبِ. قيل له: وما غُلول الكتب؟ قال: حَبْسُها عن أصحابِها " (٢). وروينا عن " الفُضيل بنِ عِيَاض ٍ " - رضي الله عنه - أنه قال: ليس من أفعال ِ أهل الورع ولا من فعال ِ الحكماء، أن يأخذَ سماعَ رجل فيحبسَه عنه، ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه - وفي رواية: ولا من [٥٩ / و] فعال العلماء أن يأخذ سماعَ رجل وكتابه فيحبِسه عليه - ". فإن منعه إياه؛ فقد روينا أن رجلا ادَّعى على رجل ٍ بالكوفة سماعًا منعه إياه فتحاكما إلى قاضيها " حفص بن غياث " فقال لصاحب الكتاب: " أخرج إلينا كُتُبَك؛ فما كان من


(١) في النسخ المطبوعة، ومتن ابن الصلاح بمطبوعة التقييد والإيضاح ٢٢٠: [السامع والمسموع منه] بإسقاط: المسموع. ولعل النساخ حسبوه مكررًا، وليس كذلك. وفي تقريب النووي: " وبيان السامع والمسمع والمسموع " ٢/ ٩٠.
(٢) انظر: التقييد والإيضا ٢٢٠، والتبصرة ٢/ ١٦١.
وانظر فصل إعارة الكتب عند الحاجة، من (تذكرة السامع والمتكلم للبدر ابن جماعة): ١٦٧.

<<  <   >  >>