للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخو خمسينَ مجتمعٌ أشُدِّي .................................................... ونَجَّدني مداوَرَةُ الشئونِ

قال: " وليس بمنكرٍ أن يُحدِّثَ عند استيفاء الأربعين؛ لأنها حَدُّ الاستواء. ومنتهى الكمال؛ نُبِّئ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابنُ أربعين، وفي الأربعين تتناهى عزيمة الإنسان وقوتُه، ويتوفرُ عقلُه ويجودُ رأيه " (١).

وأنكر " القاضي عياض " ذلك على ابن خلاد وقال: " كم من السلف المتقدمين ومن المحدثين، من لم ينته إلى هذا السنِّ ومات قبلَه، وقد نَشَر من الحديث والعلم ما لا يحصى! هذا عمر بن عبدالعزيز توفي ولم يكمل الأربعين، وسعيد بن جبير لم يبلغ الخمسين، وكذلك إبراهيم النخعي، وهذا مالك بنُ أنس جلس للناس ابنَ نَيِّفٍ وعشرين - وقيل: ابن سبع عشرة - والناس متوافرون وشيوخُه أحياء. وكذلك محمد بن إدريس الشافعي قد أُخِذَ عنه العلمُ في سنِّ الحداثةِ وانتصب لذلك ". والله أعلم (٢).

قلتُ: ما ذكره " ابنُ خلاد " غير مستَنكر، وهو محمول على أنه قاله فيمن يتصدَّى للتحديثِ ابتداءً من نفسه، من غير براعة في العلم تعجلتْ له قبل السن الذي ذكره، فهذا، إنما ينبغي له ذلك بعد استيفاءِ السنِّ المذكور فإنه مظِنَّةُ الاحتياج إلى ما عندَه (٣).

وأما الذين ذكرهم " عياضٌ " ممن حدَّث قبل ذلك؛ فالظاهرُ أن ذلك لبراعة منهم في العلم تقدمتْ، ظهر لهم معها الاحتياجُ إليهم فحدثوا قبل ذلك، أو لأنهم سُئلوا ذلك، وإما بصريح السؤال أو بقرينة الحال.


(١) القاضي ابن خلاد: المحدث الفاصل: باب القول في أوصاف الطالب والحدث الذي إذا بلغه صح الطلب فيه. والإلماع ٢٠٠ من طريقه.
(٢) الإلماع (١٩٩ - ٢٠٨) وعلى هامش (غ):
[قال القاضي عياض: وقد أنشد بعض البغداديين:
إن الحداثة لا تقصر بالفتى المرزوق ذهنا
لكن تذكي قلبه .......... فيفوق أكبر منه سنا
في (الإلماع: ٢٠٤) والبيتان في (المحدث الفاصل للقاضي ابن خلاد)، قال: " أنشدنا أصحابنا البغداديون " ١٩٣ ف ٩٤، وفي جامع بيان العلم لابن عبدالبر ١/ ٨٥.
(٣) قال العراقي: وقد حمل ابن الصلاح كلام ابن خلاد على محمل صَحيح (التبصرة ٢/ ٢٠٥) ومعه مما قاله ابن خلاد في الباب: " فليس المعتبر في كتب الحديث البلوغ ولا غيره، بل يعتبر فيه الحركة والنضاجة والتيقظ والضبط، وقد دل قول الزهري: ما رأيت طالبًا للعلم أصغر من ابن عيينة؛ على أن طلاب العلم في عصر التابعين كانوا في حدود العشرين " المحدث: ١٨٦ ف ٤٨.

<<  <   >  >>