للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما رويناه عن " الوزيرِ نظام الملك " من قوله: " عندي أن الحديثَ العالي ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن بلغت رواتُه مائةً ". فهذا ونحوُه ليس من قبيل ِ العُلوِّ المتعارَفِ إطلاقُه بين أهل ِ الحديث، وإنما هو علوٌّ من حيث المعنى فحسب. والله أعلم.

فصل: وأما النزولُ فهو ضد العلو. وما من قسم من أقسام العلو الخمسة إلا وضده قسمٌ من أقسام النزول؛ فهو إذًا خمسةُ أقسام، وتفصيلُها يُدرَكُ من تفصيل أقسام العلو، على نحوِ ما تقدم شرحُه.

وأما قول " الحاكم أبي عبدالله ": " لعل قائلا يقول: النزولُ ضد العلو، فمن عرف العلوَّ فقد عرف ضِدَّه، وليس كذلك؛ فإن للنزول مراتبَ لا يعرفها إلا أهلُ الصنعة " إلى آخر كلامه (١)، فهذا ليس نفيًا لكون النزول ضِدًّا للعلو على الوجهِ الذي ذكرتُه، بل نفيًا لكونه يُعْرَفُ بمعرفة العلو. وذلك يليق بما ذكره هو في معرفة العلوِّ؛ فإنه قَصَّرَ في بيانِه وتفصيله. وليس كذلك ما ذكرناه نحن في معرفة العلو؛ فإنه مفصَّلٌ تفصيلا مفهِمًا لمراتبِ النزول. والعلمُ عند الله تبارك وتعالى.

ثم إن النزولَ مفضولٌ مرغوبٌ عنه، والفضيلةُ للعلوِّ على ما تقدم بيانُه ودليلُه. وحَكَى " ابن خلادٍ " عن بعض أهل النظر أنه قال: " التنزلُ في الإِسنادِ أفضلُ " واحتج له بما معناه أنه يجب الاجتهادُ والنظرُ في تعديل كلِّ راوٍ تخريجه، فكلما زادوا كان الاجتهادُ أكثرَ، فكان الأجرُ أكثرَ (٢).


= ليس حسن الحديث قرب رجال .......... عند أرباب علمه النُّقَّاد
بل علو الحديث عند أولي الإت ............. قان والحفظ صحةُ الإِسناد
فإذا ما تجمعا في حديث .................... فاغتنمه فذاك أقصى المراد
(فوائد حديثية: ١٧ /ب) مخطوطة التيمورية.
(١) بعده في علوم الحاكم: " فمنها ما تؤدي الضرورة إلى سماعه نازلا، ومنها ما يحتاج طالب الحديث إلى معرفةٍ وتبحرٍ فيه فلا يكتب النازل وهو موجود بإسناد أعلى منه " - ١٢.
(٢) المحدث الفاصل: (القول في التعالي والتنزل فيه) ٢١٦ ف ١٠٧ وقال بعد أن حكى الخلاف فيه: " وفي الاقتصار على التنزل إبطال الرحلة وفضلها ". ثم نقل مقالا مسهبًا في الرد على من غضوا من الرحلة في طلبه، جاء فيه:
" تهيبوا كدَّ الطلب ومعالجة السفر، وبعلوا بحفظ الآثار ومعرفة الرجال واختلفت عليهم طرائق =

<<  <   >  >>