للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في أشياءَ كثيرةٍ عندهما في كتابيهما على هذا النحو. وذلك دالٌّ على مصيرهما إلى أن الراويَ قد يخرج عن كونِه مجهولا مردودًا، بروايةِ واحدٍ عنه (١).

وقد قدمتُ هذا في (النوع الثالث والعشرين).

ثم بلغني عن " أبي عمر ابن عبدالبر الأندلسي " وِجادةً، قال: كل من لم يرو عنه إلا رجلٌ واحد فهو عندهم مجهول، إلا أن يكون رجلا مشهورًا في غير حمل العلم


(١) قلت: ما جاء في متن ابن الصلاح، وما تُعُقِّبَ عليه، وعلى أبي عبدالله الحاكم فيما ذهب إليه، موضح بمزيد بيان في (شروط الأئمة، لمحمد بن طاهر المقدسي).
وقد سئل عما في مدخل الحاكم من شرط للشيخين؛ فأجاب .. " قلت: نعم، أخبرناه أبو بكر أحمد بن علي - بن خلف - الأديب الشيرازي بنيسابور، قال: قال أبو عبدالله محمد بن عبدالله الحافظ: القسم الأول من المتفق عليها، اختيار البخاري ومسلم، وهو الدرجة الأولى من الصحيح، ومثاله: الحديث الذي يرويه الصحابي المشهور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وله راويتان ثقتان، ثم يرويه عنه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابي، وله راويان ثقتان، ثم يرويه عنه من أتباع التابعين الحافظُ المتقن المشهور، وله رواة من الطبقة الرابعة. ثم يكون شيخ البخاري أو مسلم حافظًا متقنًا مشهورًا بالعدالة، فهذه الدرجة الأولى من الصحيح.
" الجواب أن البخاري ومسلمًا لم يشترطا هذا الشرط ولا نُقل عن واحد منها أنه قال ذلك. والحاكم قدر هذا التقدير وشرط لهما هذا الشرط على ما ظن .. ولعمري إنه شرط حسن لو كان موجودًا في كتابيهما، إلا أنا وجدنا هذه القاعدة التي أسسها الحاكم منتقضة في الكتابين جميعًا. فمن ذلك في الصحابة أن البخاري أخرج حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي: " يذهب الصالحون " الحديث. وليس لمرداس راوٍ غير قيس. وأخرج هو ومسلم حديث المسيب بن حَزْن في وفاة أبي طالب، ولم يرو عنه غير ابنه سعيد. وأخرج البخاري من حديث للحسن البصري عن عمرو بن تغلب: " إني لأعطي الرجل والذي أدع أحب إلي " الحديث، ولم يرو عن عمرو بن تغلب غير الحسن. هذا في أشياء كثيرة عند البخاري على هذا النحو. وأما مسلم فإنه أخرج حديث الأغر المزني: " إنه لَيُغَان على قلبي " الحديث، ولم يرو عنه غير أبي بردة. وأخرج حديث أبي رفاعة العدوي ولم يرو عنه غير حُميد بن هلال العدوي. وأخرج حديث رافع بن عمرو الغفاري ولم يرو عنه غير عبدالله بن الصامت. وأخرج حديث ربيعة بن كعب الأسلمي ولم يرو عنه غير أبي سلمة بن عبدالرحمن .. في أشياء كثيرة اقتصرنا منها على هذا العدد ليُعلم أن القاعدة التي أسسها منتقضة لا أصل لها. ولو اشتغلنا بتقصي هذا الفصل الواحد في التابعين وأتباعهم ومن روى عنهم إلى عصر الشيخين، لأربى على كتابه المدخل .. " ثم قال: " وأما الإمام الحافظ المتقن أبو عبدالله محمد بن إسحاق بن منده، فأشار إلى نحو ما ذكرناه، وخالف رسم الحاكم. وأخبرنا أبو عمرو عبدالوهاب بن أبي عبدالله بن منده، قال: قال أبي: ومن حُكْم الصحابي إذا روى عنه تابعي وإن كان مشهورًا مثل الشعبي وسعيد، أن ينسب إلى الجهالة. فإذا روى عنه رجلان صار مشهورًا، واحتج على هذا بالبخاري ومسلم في كتاببيهما، إلا أحرفا تبين أمرها " (شروط الأئمة ١١٦ - ١١٨ مخطوط التيمورية).

<<  <   >  >>