للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد صرحت هذه الرواياتُ بالسبب المقتضي للنهي. وأما ما سبق من رواية سليمان بن يسار عن رافع عن رجل من عمومته التي فيها النهي عن كراء الأرض بالطعام المسمَّى - وقد رواها " مسلم " من طريق أبي الطاهر عن رافع، من غير ذكر: بعض عمومته (١) - فهو محمول على الطعام المسمَّى من تلك الأرض، لا على المضمون في الذمة. ولهذا السببِ طرق أخرى من رواية نافع.

وأما رواية جابر، يرفعه، قال: كنا نخابر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنصيب من القِصْرَى ومن كذا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من كانت له أرض فليزرعها أو فَلْيُحْرِثْها أخاه، وإلا فليدعْها " رواه " مسلم " (٢) وله عنه، قال: كنا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نأخذ الأرض بالثلث أو الربع، بالماذيانات، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " من كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه، فإن لم يمنحها أخاه فليمسكْها " (٣).

فظهر بذلك أن النهي عن كراء الأرض في حديث جابر، إنما كان لهذا السبب، لا أنه نهى عن الإجارة مطلقًا. ويكون نهى عن كراء الأرض بما كان يُعتاد من الأمور التي فيها [١٦٢ / و] الغرَرُ والجهل، ويؤدي إلى النزاع. ويشهد له ما جاء عن " سعد بن أبي وقاص ": أن أصحاب المزارع في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كانو يُكْرون مزارعَهم بما يكون على السواقي من الزروع، وما سُقي بالماء مما حول البئر، فجاءوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فاختصموا في ذلك، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُكْرُوا بذلك، وقال: " اكروا بالذهب والفضة " رواه الإمام أحمد - وهذا لفظُه - وأبو داود، والنسائي (٤).


= السواقي، وهي لفظة معربة، وقال الخطابي: هي الأنهار وهي من كلام العجم صارت دخيلا في كلامهم (القاموس: مذي، ومشارق الأنوار ١/ ٣٧٦).
وأقبال الجداول: أي أوائلها ورءوسها، جمع جدول، المجرى الصغير من الماء.
(١) ح: ١١٤ من الباب: عن شيخه أبي الطاهر المصري أحمد بن عمرو بن السرح الحافظ.
(٢) بيوع، باب كراء الأرض (ح: ٩٥) والقصري، ما يصاب من بقايا السنبل. انظر الخلاف في ضبطها في فصل الاختلاف والوهم من حرف القاف، في (مشارق الأنوار ٢/ ١٨٩).
(٣) الحديث رقم ٩٥ من (باب كراء الأرض: كتاب البيوع، في صحيح مسلم) والمخابرة: المزارعة على نصيب معين، كالثالث والربع وغيرهما (النهاية: الخاء مع الباء).
(٤) المسند: حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -، وأبو داود في البيوع، باب في المزارعة، بلفظ مقارب ح (٣٣٩١) والنسائي في البيوع.
والغرر، ما كان له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول (النهاية). ونهى عن بيع الغرر، وهو الجهل بالمبيع أو ثمنه أو سلامته أو أجَلِه (المشارق ٢/ ١٣١).

<<  <   >  >>