للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا أهمُّ في التَّعليل، وهذا من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقِّها، ولا يقوم به إلَّا ذو فهمٍ ثاقبٍ (١)، وحفظٍ واسعٍ، ومعرفةٍ تامَّةٍ بمراتب الرُّواة، ومَلَكَةٍ قويَّةٍ بالأسانيد والمتون، وقد تقصرُ عبارةُ المعلِّل عن إقامة الحجَّة على دعواه؛ كالصَّيرفيِّ في نقد الدِّينار والدِّرهم.

أبي هريرة من طرقٍ عند الحاكم وابن خُزيمة والنَّسائي والدَّارقُطني والبَيهقي والخطيب، ومن حديث ابن عباس عند الترمذي والحاكم والبيهقي، وعن عثمان وعلي وعمار بن ياسر وجابر ابن عبد الله والنُّعمان بن بشير وابن عمر وعائشة عند الدَّارقُطني، وأم سَلمة عند الحاكم وجماعة من المهاجرين والأنصار عند الشافعي، فبلغَ ذلكَ مبلغ التواتر، وقد بيَّنَ طُرُقَ هذهِ الأحاديث الحافظ السيوطي في «الأزهار المتناثرة» فلم يبقَ مع ذلك ريبةٌ في ثبوتها.

قوله: (وَهَذَا أَهُمُّ فِيْ التَّعْلِيْلِ) المتبادرُ أنَّ اسمَ الإشارةِ راجعٌ إلى الجهل بحال الكاتبِ، وأنَّ المراد أن تعليلَ الحديث بالكتابةِ وجهلِ الكاتب أهم من تعليله بغير ذلك من مخالفة الأكثر مثلًا، ولينظر وجهُ الأهميةِ، ولعلَّه لأنَّ فيه عِلَّتين، وللاتفاق على الردِّ بالجهل وتضعيف رواية المجهول.

قوله: (وَهَذَا مِنْ أَغْمَضِ أَنْوَاعِ الحَدِيْثِ) الإشارةُ إلى التعليل من حيث هو، وإنَّما كان مِن أغمضها وأدَقِّها لأنَّه لا يُعرف إلَّا بجمع طرق الحديث والبحث عنها والنظر في اختلاف رواته وضبطهم وإتقانهم.

قوله: (إِلَّا ذُوْ فَهْمٍ ثَاقِبٍ) قال في «شرح التقريب»: ولهذا لم يتكلم فيه إلَّا القليل كابن المديني وأحمد والبخاري ويعقوب بن شَيبة وأبي حَاتِم وأبي زُرعة والدَّارقطني.

قوله: (كَالْصَيْرَفِيِّ … ) إلى آخره، روي عن ابن مهدي أنَّه قيل له: إنك تقول للشيء: هذا صحيح، وهذا لم يثبت فعمن (٢) تقول ذلك؟ فقال: أرأيت لو أتيتَ الناقد فأريته دراهمك، فقال: خذ هذا جيد وهذا رديء، أكنت تسأله عَمَّنْ ذلك أو تُسلِّم له؟ قال: بل أُسلِّم له، قال: فهذا كذلك لطول المجالسة والمناظرة والخبرة.

وقد قسم الحاكم العلل إلى عشرة أقسام ولخَّصَها الجلال في «شرح التقريب»، فانظره.


(١) في (ص): «ثابت».
(٢) في المطبوع: (فمن).

<<  <   >  >>