للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يبدؤون بقراءة أمِّ القرآن قبل ما يُقرَأ بعدها، ولا يعني أنَّهم يتركون البسملة. وحينئذٍ فكأنَّ بعض رواته فَهِمَ من الاستفتاح نفيَ البسملة، فصرَّح بما فهمه، وهو مخطئٌ في ذلك، ويتأيَّد بما صحَّ عن أنسٍ أنَّه سُئِل: «أكان النبي يستفتح بـ ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أو بـ ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾؟ فقال للسَّائل: إنَّك لتسألني عن شيءٍ ما أحفظُه، وما سألني عنه أحدٌ قبلَك»، على أنَّ قتادة وُلِدَ أكمه، وكاتبه لم يعرف،

بـ ﴿الْحَمْد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾) وهذا ما أَوَّلَ بِهِ الشَّافعي ، وقد ورد التَّصريحُ بهِ في رواية الدَّارقُطني بسندٍ صحيحٍ بلفظ: (فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِأُمِّ القُرْآنِ).

قوله: (وَيَتَأَيَّدُ)؛ أي: ما ذُكر من أنَّ أنسًا لم يروِ نفيَ البسملة، وأنَّ الذي زاد ذلك في آخر الحديث رَوى بالمعنى بحسبِ ما فَهِمَ فأخطأَ.

وقوله: (بِمَا صَحَّ عَنْ أَنَسٍ)؛ أي: فيما أخرجهُ أحمد وابن خُزيمة بسنده على شرط الشيخين وأورد عليه أن من حفظه عنه حجةٌ على من سأله في حالِ نسيانه، وأجاب: أبو شامة بأنهما مسألتان فسؤال أبي سلمة عن البسملة وتَرْكِهَا، وسؤال قَتادة عن الاستفتاح بأي سورةٍ.

قوله: (عَلَى أَنَّ قَتَادَةَ … ) إلى آخره، هذه علاوةٌ مُبْدِيَة لعلةٍ أخرى قادحة أيضًا؛ وذلك أنَّه حيثُ كان أَكْمَهَ فلا بُدَّ أن يكون أمَرَ مَنْ كَتَبَ (١) إلى الأوزاعي، وهذا الكاتبُ لم يُسَمَّ فيُحتمل أن يكونَ مجروحًا أو غير ضابطٍ فلا تقومُ به الحُجَّةُ مع ما في أصلِ الرِّوايةِ بالكتابة من الخلاف، وأن بعضهم يرى انقطاعها كما سيأتي، فالحديثُ معلَّلٌ أيضًا بعِلَلٍ أُخْرَى غير المخالفة، وهي الكتابة وجهل الكاتب كما هو معلَّل بالإدراج والمُخالفة من الحفاظ والأكثرين.

قال العراقي: وقول ابن الجوزي: إنَّ الأئمة اتفقوا على صحته، فيه نظرٌ، فهذا الشافعي والدارقطني والبيهقي لا يقولون بصحته. انتهى.

فلم يثبت نفي البسملة بطريقٍ صحيحٍ، وقد ورد ثبوت قراءتها في الصلاة عنه من حديث


(١) في المطبوع: «أملى من كتب».

<<  <   >  >>