للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: «رُبَّ» وُضِعَت للتَّقليل، فاستُعيرَت في الحديث للتَّكثير، وقوله: «إلى من هو أفقه منه»

والظَّاهرُ أنَّ الفقه في الحديث مصدرٌ بمعنى اسم المفعول؛ أي: علمٌ مَفْقُوهٌ ومفهومٌ، وحينئذٍ فيكون معنى الرِّواية الأولى: رُبَّ حَامِلِ عِلْمٍ قَد فهمه فهمًا ما، يؤدِّيه إلى من هو أفقه وأفهم منه، فيفهم بذهنه الرَّائق وفكره الفائق من ذلك العلم معاني وأحكامًا قَصُرَ عنها مَن بَلَّغَهُ فيَعلمها هو وغيره، فتكثرُ الفائدة وتحصل الثَّمرة المقصودة من الحديث الشريف، وحينئذٍ فوجه التَّعبير بالفقه دون العلم ما قاله الشَّارح من الإيذان بأنَّ الحامل غير عارٍ عن العلم؛ أي: أنَّ حقَّه أن يكون كذلك، فهو حثٌّ له على التَّفقُّه فيما حمل ولا يكون كمثل الحمار يحمل أسفارًا، ولو قال: رُبَّ حامل علم إلى مَن هو أعلم منه، لم يكن مؤذنًا بذلك كما لا يخفى، وأما الرِّواية الثَّانية فالمعنى فيها: ربَّ حامل علم عظيم قد اشتمل على معان كثيرة يفقه ويفهم منه نوعًا ما من الفهم إلَّا أنَّه قاصر الفهم ليس بكثير الفقه بحيث لا يتوصل إلى فهم جميع ما اشتمل عليه ما حمله، وإذا اقتصر على نفسه ضاع ذلك الفقه فليبلِّغه فرُبَّمَا بلَّغَهُ إلى مَن هو أفقه منه فآثر التَّعبير بالفقه أيضًا؛ إيذانًا بما ذكر، ولو عَبَّر بالعلم بأن قال: ربَّ حامل علم ليس بعالم، لفات ذلك المعنى بل تبادر التَّناقض من هذا المبنى إذ يصير الكلام رُبَّ عالمٍ ليس بعالم، هذا توضيح ما أشار إليه الشارح، وربما عَنَّ لك أن تقول: كان يتأدَّى ذلك لو قال في الرِّواية: الأولى: رُبَّ حامل علم إلى من هو أفقه منه، وفي الثَّانية: رُبَّ حامل علم ليس بفقيه؛ فإنَّ التَّفضيل في الأولى والمبالغة في الثَّانية يؤذنان بأنَّ الحامل له نوعٌ من الفقه والفهم لِمَا علمه فيظهر في الجواب أنَّه عبَّر بذلك ليُفيد تلك النُّكتة المقصودة، أعني: حثُّ حاملِ العلمِ على فهم ما حمل من أول وَهْلَةٍ؛ اهتمامًا بها مع ما فيه من حُسن التَّجانس دون ذاك.

هذا وذهب بعض اللُّغويين إلى أنَّ الفقه أَنْزَلُ من العلم كما نقله ابن الطَّيِّب في حواشي القاموس، وعليه فيظهر أنَّ وجه إيثاره على العلم حينئذٍ الإيذان بطلب نشر مُطلَق العلم النَّافع لا بقيد كونه على وجه مخصوص، فليُتأمَّل.

قوله: (وُضِعَت لِلتَّقْلِيلِ) هو أحد قولين، والمشهور أنَّها للتَّكثير، وقال الشَّارح نفسه في «كتاب العلم» ما نَصُّهُ: ورُبَّ حرفُ جرٍ يُفيد التَّقليل لكنَّه كَثُرَ في الاستعمال للتكثير بحيث غلب حتَّى صار كأنَّه حقيقة فيه. انتهى.

ولذا قيل:

خَلِيْلِي لِلْتَّكْثِيْرِ رُبَّ كَثِيْرَةٌ … وَجَاءَتْ لَتَقْلِيْلٍ وَلَكِنَّهُ يَقِلْ

وكذا ذكر الأشمونيُّ إذ قال: هي للتَّكثير كثيرًا وللتَّقليل قليلًا، فالأوَّل كقوله : «يا رُبَّ

<<  <   >  >>