للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمعنى: خصَّه الله تعالى بالبهجة والسُّرور؛ لأنَّه سعى في نَضارة العلم وتجديد السُّنَّة، فجازاه في دعائه له بما يُناسب حالَه في المُعامَلة. وأيضًا: فإنَّ مَنْ حفظ ما سمعه وأدَّاه كما سمعه من غير تغييرٍ كأنَّه جعل المعنى غضًّا طريًّا، وخُصَّ الفقه بالذِّكر دون العلم؛ إيذانًا بأنَّ الحامل غيرُ عارٍ عن العلم، إذ الفقه علمٌ بدقائق العلوم المُستنبَطة من الأقيسة، ولو قال: غير عالم لَزِم جهله،

قوله: (والمعنى: خَصَّهُ اللهُ بِالْبَهْجَةِ … ) إلى آخره، أقولُ: لا بهجةَ في وجه التَّخصيص بل لا وجه له إلَّا لو قال: وخصَّ النَّبيُّ هذا المرء بالدُّعاء، وبخصوص الدُّعاء بالنَّضرة … إلى آخره، والبهجةُ هي: الحسنُ والفرحُ، والفعل منه بمعنى الأول بَهُجَ -كَكَرُمَ- بهاجةً فهو بهيجٌ، وبمعنى الثَّاني -كفعله- فهو بهيج وبهج، وأما بَهَجَ -كمَنَعَ- فمعناه: أَفْرَحَ وسرَّ، والابتهاج: السُّرور، كما في «القاموس».

قوله: (فَجَازَاهُ في دِعَائِهِ … ) إلى آخره، وقد أجاب الله دعاء نبيِّه ، قال سفيان بن عيينة: ليس من أهل الحديث أحدٌ إلَّا وفي وجههِ نضرة؛ لهذا الحديث. انتهى.

وإذا كان هذا في الدُّنيا فما بالك في الآخرة، وقد رُوي أنَّه: «يُوْضَعُ لَهُم مَنَابِرُ مِنْ نُوْرٍ يُحَدِّثُوْنَ عَلَيْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ»، وقيل في تفسير قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١]: ليس لأهل الحديث مَنْقَبَةٌ أشرفُ من ذلك؛ لأنَّه لا إمام لهم غيره ، وناهيك بأنَّه العِلْمُ الموصل إلى الله تعالى والباحث عن تصحيح أقواله وأفعاله والذَّابُّ عنه أن يُنْسَبَ إليه ما لم يقله، وسائر العلوم محتاجةٌ إليه، أمَّا الفقه فواضحٌ، وأمَّا التَّفسير فلأنَّ أولى ما فُسِّرَ به كلام الله تعالى ما ثبتَ عن نبيِّه وأصحابه .

قوله: (غَضًّا) بفتح الغين وتشديد الضَّاد المعجمتين بمعنى طريًّا، قال في «القاموس»: والغضيض: الطَّري، والطَّلع النَّاعم كالغضِّ فيهما. انتهى.

قوله: (إذ الفِقْهُ عِلْمٌ بِدَقَائِقِ الأُمُوْرِ)؛ أي: بالأمور الدَّقيقة؛ -أي: الخفيَّة- لا بمطلق الأشياء، فلا يُقال مثلًا: فَقِهْتُ السَّماءَ والأرض، بخلاف العلم فأعمُّ، وهذا ما جرى عليه جماعة من اللُّغويِّين، إلَّا أنَّ التَّقييد بكون تلك الدَّقائق مستنبطة من الأقيسة كما ذكره الشَّارح لم أره لأحد منهم وكأنَّه سرى له من معناه الشَّرعيِّ، وقيل: الفقه هو العلم بالشيء مع الفهم له بخلاف العلم فأعمُّ، وقيل: هو شدَّة الفهم بخلاف العلم فمطلق الفهم، وعلى كلٍّ من هذه الأقوال فليس الفقه مرادفًا للعلم بلْ أخصُّ منه، فكلُّ فقيهٍ عالمٌ ولا عَكْسَ.

<<  <   >  >>