قوله:(هُوَ الكَذِبُ)؛ أي: المكذوب -مصدر بمعنى اسم المفعول- وقوله:(على رسول الله ﷺ؛ أي: من قول أو فعل أو تقرير أو نحو ذلك، وقضية التقييد برسول الله ﷺ أنَّ المكذوبَ على الصَّحابي والتابعي لا يُسمى موضوعًا.
قوله: (وَيُسَمَّى المُخْتَلَقُ) بفتح اللام بعدها قاف؛ أي: المبتكر الذي ابتكرهُ الواضع من قِبَلِ نَفْسِهِ وليس له نسبةٌ بالنبي ﷺ.
وقوله:(المَصْنُوْعُ)؛ أي: الذي صنعه قائله، وفي نُسخ:(الموضوع) وحينئذٍ فيكون الموضوع في
الأول بالمعنى الاصطلاحي، وفي الثاني بالمعنى اللغوي أو العكس (وتحرمُ روايته)؛ أي: على مَن عَلِم أو ظنَّ أنَّه موضوع، سواء كان في الأحكام أو في غيرها، كالمواعظ والقصص والترغيب إلَّا مع بيانِ وضعه، لقوله ﷺ:«مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بحديثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذبَينَ» رواه مسلم، ومعنى (يرى أنَّه كذب): يعلم ذلك، بمعنى أنَّه عامدٌ ليس بناسٍ ولا بغالطٍ، فهو بمعنى:«وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا»، فقيَّدَ ﷺ بذلكَ ليُفيد أنَّه لا إثمَ على الناسي والغالط، فتُحمل الروايات المطلقة على هذا، و (الكذَّابين) قال شيخ الإسلام: بالتثنية والجمع، فعلى التثنية: الكذابان واضعه وناقله، وعلى الجمع يكون المعنى أحدُ الكذابِين المشهورين بالكذب.
وهو من الكبائر، حتى قال الجويني من أئمة أصحابنا: يَكفر متعمده ويُراقُ دمه، والجمهور أنَّه لا يكفر إلَّا إن استحلَّه وإنَّما يفسقُ وتُرَدُّ رواياته كُلها ويَبطل الاحتجاج بجميعها، فلو تاب؛ الجمهور أنَّه لا تؤثر توبته ولا تُقبل روايته أبدًا بل يتحتم جرحه أبدًا، قال النووي في «شرح مسلم»: ولم أرَ دليلًا لمذهب هؤلاء، ويجوز أن يُوجَّه بأنَّ ذلك تغليظًا وزجرًا لِعظم مفسدةِ هذا، فإنَّه يصير شرعًا مستمرًا إلى يوم القيامة، بخلاف الكذب على غيره، وبخلاف الشهادة، فإنَّ مفسدتها قاصرة، ومع ذلك فالمختار القطعُ بصحة توبته وقبول روايته بعدها، وقد أجمعوا على صحة رواية مَن كان كافرًا وأسلم، وأكثر الصحابة كانوا كذلك وأجمعوا على قبول شهادته، ولا فرق بين الرواية والشهادة في هذا. انتهى.