للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مع العلم به إلَّا مبيَّنًا، والعملُ به مُطلقًا، وسببه: نسيانٌ

وسيأتي عن السيوطي ما يُصادمه.

وكما تحرم روايته يحرمُ وضعه مطلقًا بإجماعِ مَن يُعتد بإجماعه خلافًا للكرَّامية -قومٌ من المبتدعة فنسبوا لمحمد بن كِرَام بتخفيف الراء على التحقيق السِّجِسْتَاني- فإنَّهم جوزوه في الترغيب والترهيب دون ما يتعلق به حكم من الثواب والعقاب، ترغيبًا للناس في الطاعة، وترهيبًا لهم عن المعصية، واستدلوا بما رُوي في بعض طرق الحديث: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا لِيُضِلَّ بِهِ النَّاسَ» وهي زيادةٌ اتفقَ الحفاظُ على بُطلانها، وبفرض صحتها فهي للتأكيد كقوله: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ﴾ الآية [الأنعام: ١٤٤]، أو أنَّ اللام للعاقبة وحملَ بعضهم حديث «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ»؛ أي: قال: إنَّه شاعر أو مجنون، وقال بعضهم: إنَّما نكذب له لا عليه، وقال بعض أهل الرأي فيما حكاه القرطبي: ما وافق القياس الجليَّ جازَ أن يُعزى إليه .

قوله: (مُطْلَقًا)؛ أي: بيْنَ وضعهِ أولًا في الأحكام والعقائد أو غيرهما من الترغيب والترهيب والقصص والمواعظ ونحو ذلك، بخلاف الضعيف فيُعمل به فيما عدا الأحكام والعقائد على ما سبقَ من الخلاف فيه مفصلًا.

قوله: (وَسَبَبَهُ)؛ أي: سببُ وضعِ الموضوعِ.

وقوله: (نِسْيَانٌ) انظر ما معنى النسيان هنا، ويمكن أن يُصَوَّرَ بأن يروي حديثًا نَبَّهَهُ شيخهُ على وَضْعِهِ فينسى ذلك التنبيه ويرويه، لكن أنت خبيرٌ بأنَّ هذا ليس وضعًا لا حقيقة ولا حُكمًا، نعم كان يظهر ذلك لو قيل: وسبب روايته كذا، وإذا قلنا المرادُ ذلك لم يتجه ذلك في المعطوف أعني قوله: (أو افتراء) ويُمكن أن يكون مُراده بالنسيان الغلط فالمراد أنَّه بغير قصدٍ، وعبارة «التقريب» وشرحه: ورُبَّما وقعَ الراوي في شبه الوضع غلطًا منه بغير قصدٍ فليس بموضوع حقيقة، بل هو بقسم المدرج أولى، كما ذكره شيخ الإسلام في «شرح النخبة» قال: بأن يسوقَ الإسنادَ فيعرضُ له عارض فيقول كلامًا من عند نفسه فيظن بعض مَن سمعه أنَّ ذلك متن هذا الإسناد فيرويه عنه كذلك، كحديث رواه ابن ماجه، عن إسماعيل بن محمد، عن ثابت بن موسى الزاهد، عن شَريك، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر مرفوعًا: «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ»، قال الحاكم: دخلَ ثابت على شريكٍ وهو يُملي ويقول: حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله ، وسكت ليَكتب المُستملي، فلما نظرَ إلى ثابت قال: «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ … » إلى آخره،

<<  <   >  >>