بعض الفسَّاق يعرف شيئًا من علم الحديث؛ فإنَّ الحديث إنَّما هو إخبارٌ بأنَّ العدول يحملونه، لا أنَّ غيرهم لا يعرف شيئًا منه. انتهىَ.
على أنَّه قد يُقال: ما يعرفه الفسَّاق من العلم ليس بعلمٍ حقيقةً؛ لعدم عملهم، كما أشار إليه المولى سعد الدِّين التَّفتازانيُّ في تقرير قول «التَّلخيص»: وقد يُنزَّل العالم منزلة الجاهل، وصرَّح به الإمام الشَّافعيُّ في قوله: ولا العلم إلَّا مع التُّقى، ولا العقل إلَّا مع الأدب.
ولَعَمْري
قوله: (إِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ) رَدَّهُ العراقيُّ فقال: لا يصحُّ حمله على الخبر؛ لوجود من يحمل العلم وهو غير عدل وغير ثقة فلم يبقَ له محمل إلَّا على الأمر، ومعناه: أنَّه أمر للثقات بحمل العلم؛ لأنَّ العلم إنَّما يُقبل عنهم، والدَّليل على ذلك أنَّ في بعض طرقه عند ابن أبي حَاتِم: «ليَحملْ هذا العلم» بلام الأمر. انتهى.
وهذا يَرُدُّ ما ذهب إليه ابنُ عبد البَرِّ.
قوله: (لَيْسَ بِعِلْمٍ حَقِيْقَةً) ليس المراد بالحقيقة الحقيقة اللَّفظيَّة بل المعنويَّة، فإنَّ الحقيقة والمجاز كما يأتيان في الألفاظ كذلك يَرِدَانِ في المعاني كما نقلته في «الفواكه الجنوية»، كما يقالُ في الحياة الحقيقية هي الأخروية لا الدنيوية ونحو ذلك.
وذكر ابن الصَّلاح في «فوائد رحلته» أنَّ بعضهم ضبط الحديث بضمِّ الياء وفتح الميم مبنيًّا للمفعول ورفع «العلم»، وفتح العين واللام من «عَدُولَة» وآخره تاء فوقية -فعلة بمعنى فاعل-؛ أي: كامل في عدالته؛ والمعنى أنَّ هذا العلم يُحمل؛ -أي: يُؤخذ- عن كلِّ خلفٍ عدلٍ فهو أمر بأخذ العلم عن العدول، قال: والمعروف في ضبطه فتح ياء «يَحْمِلُ» مبنيًا للفاعل ونصب «العلمَ» مفعوله والفاعل «عدوله» جمع عدل. انتهى.
قوله: (وَلَعَمْرِي) اللام قسمية، و (العمر) في «القاموس»: بالفتح وبالضَّمِّ، وبضمتين: الحياة وجمعه أعمار. انتهى.
وفي «كليَّات أبي البقاء»: الفتح غالب في القسم ولا يجوز فيه الضَّمُّ. انتهى.
لكن في «شرح أدب الكاتب»: أنَّه سُمع نادرًا (لعُمرك) بضم العين.
وفي «نسيم الرِّياض»: العَمر بالفتح مصدر (عَمَّر) المشدَّد، وأصلُهُ (التَّعمير) فحُذفت زوائده؛ وله معنيان: تعمير الله إياك أو قلبك، وهو على هذا صفة من صفاته تعالى فيصحُّ القَسَم به حقيقة، وهذا ما جنح له الحنفيَّة والنُّحاة.
و (العُمر) بضمِّ العين؛ مخصوص بالإنسان وهو مدَّة وجوده في الدُّنيا فلا يصحُّ القَسم به شرعًا،