إنَّ هذا الشَّأن من أقوى أركان الدِّين، وأوثق عُرى اليقين، لا يَرْغَبُ في نشره إلَّا صادقٌ تقيٌّ، ولا يَزْهَدُه إلَّا كلُّ منافقٍ شقيٍّ، قال ابن القطَّان: ليس في الدُّنيا مبتدعٌ إلَّا وهو يُبغض أهل الحديث، وقال الحاكم: لولا كثرة طائفة المحدِّثين على حفظ الأسانيد لَدرس منار الإسلام، ولتمكَّن أهل الإلحاد والمبتدعة من وضع الأحاديث وقلب الأسانيد.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ أنَّ رسولَ الله ﷺ قال:«العلم ثلاثةٌ: آيةٌ مُحكمَةٌ أو سُنَّةٌ قائمةٌ، أو فريضةٌ عادلةٌ، وما سوى ذلك فهو فضلٌ» رواه أبو داود وابن ماجه، قال في «شرح المشكاة»: والتَّعريف في «العلم» للعهد، وهو ما عُلِمَ من الشَّارع، وهو العلم النَّافع في الدِّين، وحينئذٍ العلم مطلقٌ، فينبغي تقييده بما يُفهَم منه المقصود، فيُقال: علم الشَّريعة معرفة ثلاثة أشياء، والتَّقسيم حاصرٌ، وبيانه: أن قوله: «آيةٌ محكمةٌ» يشتمل على معرفة كتاب الله تعالى وما يتوقَّف عليه معرفته؛ لأنَّ المُحكَمة هي التي أُحكِمت عبارتُها،
لكنَّ الله أَقسم به في قوله: ﴿لَعُمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر: ٧٢] على قراءة ضمِّ العين، ولله أن يُقسم بما شاء، فأصله الضمُّ؛ لاختصاصه به في غير القسم فإذا أريد بالمفتوح هذا لا بأس أن يُقال إنَّه من قبيل معناه أو معدول به عنه، وإن لم يَرد هذا المعنى في قَسَمِ النَّاس صحَّ أن يقال إنَّه كناية؛ لتوقفه على النِّيَّة كالمشترك. انتهى.
وفي «القاموس»: في الحديث النَّهي عن قول لعمر الله.
قوله:(إنَّ هَذَا الشَأْنَ)(١)؛ أي: علمَ الحديث.
قوله:(عُرَى) بضم العين المهملة جمع عروة.
قوله:(إِلَّا وَهُوَ يُبْغِضُ أَهْلَ الْحَدِيْثِ)؛ أي: لمعارضة حديثه لما ينتحله في ترويج بدعته.
قوله:(مِنْ وَضْعِ الأَحَادِيثِ)؛ أي: مع اشتباهها بالصَّحيح وإضلال النَّاس بالعمل بها، وإلَّا فقد وضع كثيرون منهم كثيرًا منها، أو المراد أكثر ممَّا وضعوا.
قوله:(فَهُوَ فَضْلٌ)؛ أي: زائدٌ غير محتاج إليه.
قوله:(وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهُ)؛ أي: من العلوم كالنَّحو واللُّغة والبيان.