للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُتقِنًا، ويُعرَف إتقانه بموافقة الثِّقات، ولا تضرُّ مخالفته النَّادرة، ويُقبَل الجرح إنْ بَانَ سَبَبُه، للاختلاف فيما يوجب الجرح،

العلم وشاعَ الثناءُ عليه بها كفى، ولا يحتاجُ مع ذلك إلى معدِّلٍ ينصُّ عليها كمالك والشافعي والسُّفْيَانين وأحمد ابن حنبل، وهذا هو المعتمد.

وتوسعَ ابن عبد البر فقال: كلُّ حاملِ علمٍ معروفُ العناية به فهو عدل محمول في أمره أبدًا على العدالة حتى يتبين جرحه؛ لحديث: «يَحْمِلُ هَذَا العِلْم مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُه»، وقد تقدَّمَ الكلام على هذا الحديث في الفصل الأول.

قوله: (مُتْقِنًا)؛ أي: ضابطًا، بأن يكون متيقظًا غير مُغَفَّلٍ، حافظًا إن حدَّثَ من حفظه، ضابطًا لكتابه من التغيير والتبديل إن حدَّث منه، عالمًا بما يحيلُ المعنى إن روى به.

قوله: (لِمُوَافَقَتِهِ الثِّقَاتِ)؛ أي: الضابطين إذا اعتبرَ حديثه بحديثهم، فإن وافقهم في روايتهم غالبًا ولو من حيث المعنى فضابطٌ.

قوله: (النَّادِرَة) فإن كثرتْ مخالفته لهم، وندرتْ موافقته اختلَّ ضبطه ولم يحتجَّ به.

قوله: (وَيُقْبَلُ الجَرْحُ)؛ أي: الطعن في الراوي.

وقوله: (إِنْ بَانَ سَبَبُهُ)؛ أي: فلا يُقبل غير مبيَّن السببِ.

وقوله: (لِلْاِخْتِلَافِ فِيْمَا يُوْجِبُ الجَرْحَ)؛ أي: لأنَّ النَّاسَ يختلفونَ في أسبابِ الجرحِ فيُطلق

أحدهم الجرحَ بناءً على ما اعتقده جرحًا، وليس بجرحٍ في نفسِ الأمرِ، فلا بدَّ من بيان سببه ليُنظر هل هو قادحٌ أو لا؟.

قال ابن الصلاح: وهذا هُوَ المقررُ في الفقه والأصول، وذكرَ الخطيب أنَّه مذهبُ الأئمة من حفاظ الحديث كالشيخين، ولذلك احتجَّ البُخاري بجماعةٍ سبق من غيره الجرح لهم كعِكْرِمة وعمرو بن مرزوق، وكذا فعلَ مسلم وأبو داود، وذلك دالٌّ على أنَّهم يرونَ أن الجرحَ لا يثبت إلَّا إذا فُسِّرَ سببُهُ، فإنَّه ربما استُفْسِر الجارح فذكر ما ليس بجرحٍ، كما قيلَ لشُعبة: لِمَ تركتَ حديثَ فلان، قال: رَأَيْتُهُ يركضُ على برذون فتركت حديثه، وقال هو: أتيتُ منزل المِنهال بن عمرو فسمعت صوت الطُنْبُور فرجعتُ، فقيل له: فهلَّا سألتَ عنهُ، إذ لا يعلم هو؟!.

<<  <   >  >>