وَخَلِّ سمْعَك عن بلوى أخي جَدِلٍ … شُغْلُ اللَّبيبِ بها ضَرْبٌ من الهَوَسِ
ما إنْ سَمَتْ بأبي بكرٍ ولا عمرٍ … ولا أتتْ عن أبي هِرٍّ ولا أَنَسِ
إلَّا هوًى وخصوماتٍ ملفَّقةٍ … ليست برطْبٍ إذا عُدَّتْ ولا يَبَسِ
فلا يغرَّك من أربابها هَذَرٌ … أجْدى وجدِّك منها نَغْمة الجَرَسِ
قوله:(وخَلِّ سَمْعَكَ … ) إلى آخره؛ أي: أفرغ سمعك، والمراد عدم السَّماع رأسًا.
وقوله:(عَنْ بَلْوَى أَخِي جَدَلٌ) هو بالجيم والدَّال محرَّكًا: اللّدد في الخصومة والقدرة عليها، كما في «القاموس»؛ أي: عمَّا ابتُلي به صاحب الشِّدَّة في الخصومة والمجادلة.
وقوله:(شُغْلُ اللَّبِيْبِ) مبتدأٌ و (بها) متعلق به، والضمير للبلوى، و (ضربٌ)؛ أي: نوع (من الهوس) خبره، والجملة صفة لبلوى، والهوس بالتَّحريك: طرفٌ من الجنون واسم المفعول منه مُهْوَس، كمعظم، كما في «القاموس».
قوله:(مَا إِنْ سَمَتْ … ) إلى آخره، ما نافية، وإن زائدة، وسمت بمعنى علت، وضميره للبلوى المذكورة، فالجملة صفةٌ لها أيضًا، ويصحُّ أن يكون استئنافًا بيانيًّا؛ علَّة لعدم سماعها والاشتغال بها كأنَّه قال: لأنَّها لم تَسْمُ من السُّمو (بأبي بكر … ) إلى آخره، و (أبو هر) بكسر الهاء هو أبو هريرة ﵁؛ أي: لم تُسند إليهما أصلًا؛ لعدم وقوعها منهما ولو كان فيها خير لسبقانا إليها، فهي مجرد بدعة مذمومة ولو فرض أنَّهما تلبَّسا بهما إذ لا يتلبسان إلَّا بحَسن.
قوله:(لَيْسَت بِرَطْبٍ) بفتح الراء؛ أي: بشيء رطب. وقوله:(إذا عُدَّتَ) بضمِّ العين وتشديد الدَّال المهملتين، مبني للمجهول من العدِّ معترض بين المتعاطفين، و (اليبس) بالفتح والكسر الَّذي كان رطبًا فجفَّ، والمعنى: ليست شيئًا من الأشياء رطبها أو يابسها، فنزَّلها منزلةَ العدم.
قوله:(هَذَرٌ) بتحريك المعجمة؛ وهو سقط الكلام، أو الكثير الرَّديء، يٌقال: هَذِرَ كلامه كَفَرِحَ يهذر، ويهذر بالكسر والضم هذرًا كَثُر في الخطأ والباطل.