ثمَّ الإعلام: بأن يقول له: هذا الكتاب رويته أو سمعته، مقتصرًا على ذلك من غير إذنٍ، وهذه جوَّزها كثيرٌ من الفقهاء والأصوليِّين، منهم ابن جريجٍ وابن الصَّبَّاغ.
ثمَّ الوصيَّة: بأن يوصيَ الرَّاوي عند موته أو سفره لشخصٍ بكتابٍ يرويه،
قال النووي: وهو المختارُ بل وأقوى من أكثر صور المناولة. وفي «صحيح البخاري» في «الأيمان والنذور»: كتب إليَّ محمد بن بشار … إلى آخره، وليس فيه بالمكاتبة عن شيوخه غيره.
ويكفي معرفة المكتوب له خطَّ الكاتب، وإن لم تقم البينةُ عليه على المعتمد، وإن كان الكاتب غير الشيخ فلا بدَّ من ثُبوت كونه ثقةً، والصحيحُ أن يقول في الرواية بها:(كتب إليَّ فلان قال: حدثنا فلان) أو يقول: (أخبرنا فلان كتابة، أو حدَّثنا كذلك)، ولا يجوز إطلاق (حدَّثنا وأخبرنا) وجوَّز قومٌ آخرون (أخبرنا) دون (حدَّثنا).
روى البيهقي في «المدخل» عن أبي عِصْمَة قال: كنت في مجلس الجَوْزَقَانيِّ فجرى ذكر (حدَّثنا وأخبرنا)، فقلت: هما سواء، فقال رجلٌ: بينهما فرقٌ؛ ألا ترى محمد بن الحسين قال: إذا قال رجل لعبده: إن أخبرتني بكذا فأنتَ حر، فكتبَ إليه بذلك فصارَ حُرًّا، وإن قال: إن حدثتني، فكتب بذلك لا يُعْتَقُ.
قوله:(ثُمَّ الإِعْلَاْمُ) هذا هو القسم السادس؛ أي: إعلامُ الشيخِ الطالبَ أنَّ هذا الحديث أو الكتاب سمعه من فلان، وسُمي بذلك؛ لأنَّ الشيخَ أعلمَ الطالبَ بما يرويه من دون إذنٍ في روايته عنه، ولا تجوزُ الرواية به على الصحيح.
قوله:(مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ)؛ أي: في روايتهِ عنهُ.
قوله:(جَوَّزَهَا كَثِيْرٌ مِنَ الفُقَهَاءِ)؛ أي: الشافعية والمالكية، بل قال بعض الظاهرية: لو قال: هذه روايتي ولا تروها عني أو لا أجيزها لك. كان له روايتها عنه، وعلَّله عياض بأنَّه بذلك قد حدَّثه وهو شيء لا يُرجع فيه، لكن الصحيح أنَّه لا تجوز الرواية بها كما قطع به الغزالي وحكاه النووي عن غير واحد من المحدثين وغيرهم؛ لأنَّه قد لا يجوز روايته مع كونه سماعه؛ لخللٍ يعرفه فيه، لكن مع ذلك يجب العمل به؛ أي: بما أخبره الشيخ أنَّه سمعه إذا صحَّ سنده.