الفعل واجتماع الرأي، قال مالك: إنَّما يَخْرَفُ الكذَّابُون.
والأولى أن لا يُحدِّث بحضرة مَن هو أعلىَ منه لسنه أو علمه أو غيرهما، ولا يمتنع من تحديث أحدٍ لكونه غير صحيح النية؛ فإنَّه يُرجى له صحتها بعد ذلك.
قال مَعْمَرٌ: طلبنا الحديث وما لنا فيه نية ثم رزق الله النية بعدُ.
ويُستحبُّ لمنْ أرادَ حضورَ مجلسِ التحديثِ أن يتطهرَ ويتطيبَ ويَستاك ويُسرِّح لحيته ويجلس في وَقَارٍ وهَيبةٍ.
وقد سُئل ابن المسيَّب عن حديثٍ وهو مضطجع في مرضه، فجلس وحدَّث به، وقال: كرهتُ أن أحدِّث عن رسول الله ﷺ وأنا مضطجع.
ويُكره أن يقومَ لأحدٍ، فقد قيل: إذا قام القارئُ لحديثِ رسول الله ﷺ لأحدٍ فإنَّه يُكتب عليه بخطيئةٍ، ثم إذا رفعَ أحد صوته في المجلس زجره كما كان مالك ﵁ يفعله، ويقول: قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات: ٢] فمن رفعَ صوتَهُ عند حديثه فكأنَّما رفعَ صوتَهُ فوق صوته، ويفتتحُ مجلسه ويختمهُ بتحميد الله والصلاة على النَّبيِّ ﷺ، ويسأل الله تعالى التسديد والتوفيق لذلك، ويَستعمل الأخلاق الجميلة والآداب المَرْضية، فقد قال أبو عاصم النبيل: مَن طلب هذا الحديث فقد طلبَ أعلى أمور الدين، فيجب أن يكون خير الناس، وليفرغ الطالب جهده في تحصيله، فقد قال يحيى بن كثير: لا يُنَالُ العلمُ براحةِ الجِسْمِ، وقال الشافعي: لا يفلحُ مَن طلبَ العلمَ بغنى النفس، ولكن من طلبه بِذِلَّةِ النَّفْسِ وضيقِ العيش وخدمة العلم أفلحَ. انتهى.
ولا يحملنَّه الحرصُ على التساهلِ في التَّحملِ فيخلَّ بشيءٍ من شروطه؛ فإنَّ شهوة السماع لا تنتهي، والعلم كالبحار التي يتعذر كيلها والمعادن التي لا ينقطع نيلها.
وينبغي أن يستعمل ما يسمعه من أحاديث العبادات والآداب وفضائل الأعمال فذلك زكاةُ الحديث وسببُ حفظه.
قال وكيع: إذا أردتَ أن تحفظ الحديث فاعمل به.
وقال بِشْر: يا أصحاب الحديث أدُّوا زكاة هذا الحديث؛ اعملوا من كل مئتي حديث بخمسة أحاديث.
وقال عمرو بن قيس المُلائي: إذا بلغك شيءٌ من الخير فاعملْ بِهِ ولو مرةً تكنْ من أهله.