للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وليعتقد الطالب جلالةَ شيخه ورجحانَهُ على غيرهِ، فقد قال أبو يوسف: سمعتُ السلف يقولون: مَن لا يعتقدُ أستاذه لا يفلحْ، ويتحرى رضاه، ولا يُطول عليه بحيث يُضجره؛ فإن الإضجار يغيرُ الأفهام ويفسد الأخلاق.

قال ابن الصلاح: ويُخشى على فاعل ذلك أن يُحرمَ الانتفاع.

ولا ينبغي أن يقتصرَ على سماع الحديث وكَتْبه دون معرفته وفهمه، فيكون قد أتعب نفسه من غير أن يظفَر بطائلٍ، بل يتعرف صحته وحسنه وضعفه وفقهه ومعانيه ولغته وإعرابه وأسماء رجاله محققًا كل ذلك، معتنيًا بإتقان مشكله حفظًا وكتابة ويذاكر محفوظه ويباحث أهل المعرفة.

قال ابن مسعود: تذاكروا الحديث فإن حياته مذاكرته.

وقال أبو سعيد الخدري: مذاكرة الحديث أفضل من قراءة القرآن.

وقال ابن عباس: مذاكرةُ العلم ساعةً خيرٌ من إحياء ليلة.

وليكن حفظه له بالتدريج قليلًا قليلًا.

قال الزهري: مَن طلبَ العلم جُملةً فاته جملةً، وإنَّما يُدركُ العلم حديث وحديثان، وليحذر أن يمنعه الحياء والكبر من السعي التام والتحصيل وأخذ العلم ممن هو دونه في نسب أو سن أو غيره، فقد ذكر البخاري عن مجاهد: لا ينال العلم مستحييْ ولا متكبرٌ، وكان ابن المبارك يكتب عمَّن هو دونه فقيل له في ذلك فقال: لعلَّ الكلمة التي فيها نجاتي لم تقع لي عن غيره.

وقال أبو حاتم: إذا كتبت فَعَمِّشْ (١) وإذا حدَّثت فَفَتِّشْ. انتهى.

وعَمِّشْ بالعين المهملة؛ أي: اكتب عن الأعمش، وذلك؛ لأنَّه كان يُدلس، والمراد لا تبال بمن تكتب عنه.

قال العراقي: أراد اكتب الفائدة ممن سمعتها ولا تؤخر حتى تنظر هل هو أهلٌ للأخذ عنه أم لا؟ فربما فات ذلك بموته أو غير ذلك، فإذا كان وقتُ الرواية أو العمل ففتشْ حينئذ، ويحتمل أنَّه أراد استيعاب الكتاب وتركَ انتخابه أو استيعاب ما عند الشيخ وقت التحمل، ويكون النظر فيه حال الرواية. انتهى.


(١) في المشهور: «فقمش» بالقاف.

<<  <   >  >>